12 سبتمبر 2025
تسجيلهل تتفقون معي أن الرعاية الصحية والطبية في قطر هي رعاية أزمات وطوارئ؟ ولكي نكون موضوعيين في الطرح بشكل أكبر، فلنجب معا عن عدد من التساؤلات: هل يقوم أحدكم بزيارة طبيب بشكل دوري لإجراء فحص عام له أو لأبنائه وفق جدول عمري وزمني محدد؟ هل يراجع أحدكم طبيبا من أطباء الأسرة أو الطب العام وفقا لخطة صحية ووقائية أيضا؟ وبالأحرى هل هناك طبيب "ممارس عام" في مصطلح برامج مؤسسة الصحة التي سبق وان عرضت بمصطلح "طب الأسرة"؟ ومن الطبيب الذي نقوم بزيارته عند المرض؟؟ وعند مراجعة المركز الصحي هل نراجع نفس الطبيب أو من ينوب عنه أم كل زيارة بطبيب؟ وهل يتعامل الطبيب مع المرض على انه مؤشر لمرض آخر أم على انه أزمة طارئة تعالج بأدوية محددة لينصرف المريض من المركز محملا بأدوية معهودة من مسكنات للحرارة والألم؟ ولو حصل أن قام الطبيب بتحويلك "عاجلا" إلى حمد الطبية.... كم شهرا يستغرق من العيادات الخارجية في حمد للحصول على موعد عاجل مع الطبيب المتخصص؟ وفي التبعات الصحية: من منكم فوجيء بخلل في غدد أطفاله ليصاب بمرض السكر أو غيره في وقت متأخر.. أو بمرض مفاجئ قد تكون أسبابه وراثية كانت جديرة بالتنبؤ بها؟ وبشكل أدق هل يخضع الأطفال في عمر تطور قطر البرقي الكبير اليوم إلى فحص عام وشامل وفقا لبرنامج صحي واضح منصوص غير تلك التي تخضعهم لطابور التطعيمات الذي ينتهي في العام الرابع من عمر الطفل وذلك بعد غيبة من تطعيم سابق وهو في العامين ونصف العام؟.... في الوقت الذي بدا واضحا في قطر أن معظم الأطفال بدأوا يعانون من أمراض جديدة وأخرى بيئية جعلتهم رضخوا قسرا تحت أجهزة التنفس والفانتلوين وغيره في عيادات الطوارئ؟ الدول المتقدمة في برامج رعايتها للصحة الأولية تخضع كل طفل عند بلوغه سن الثالثة لفحص طبي شامل يتابع نمو الطفل وصحته وكل ما يتعلق برعايته، وذلك إضافة إلى متابعة التطعيمات المعهودة، وعليه يستطيع رب كل أسرة أن يعرف تطور طفله الصحي وأي عوارض قد تحدث مستقبلا إن كانت في ظل مسببات وراثية أو بيئية أو غيرها، وهنا تجدر الوقاية من بعض الأمراض مبكرا. ولا يفتؤ طبيب الأطفال أو حتى الطبيب العام في الغرب إلا أن يذكرك بالفحص الدوري لك ولأطفالك لما لذلك من أهمية كبيرة. أما نحن في قطر، فلا نجد لصحتنا برنامجا تطبيقيا واضحا، بل لا نجد طبيبا للأسرة، ومراجعاتنا تنحصر في أمراض الموسم أو أي عارض طارئ. ولسنا نرى خططا لطب الأطفال غير ما أسلفت ذكره من تطعيمات وقياس محيط الرأس والطول والوزن في فترة محددة. مجلس الصحة قد عرض مؤخرا عن وجود خطة استراتيجية للصحة في قطر وهي ما أثلجت صدورنا وما نرتقب نتائجها في مستقبل واعد، ولكن لأن الاستراتيجيات غالبا طويلة المدى وأي تخطيط طويل تسبقه خطة مرحلية، نأمل أن نجد قبل ذلك برنامجا قابلا للتطبيق يقطف المرضى ثمرته حتى لا يطول الحصاد الاستراتيجي. لن نعاتب مؤسسة حمد على طفرة عدد سكان قطر حاليا وعجز البنية التحتية الطبية السابقة عن استيعاب حجم الزيادة ولن ندخل ذلك في حسابات تأخر البرامج، ورغم عذرنا لها فاننا نتوقع منها ونتمنى عليها استيعاب الحاجات الطبية المتزايدة في برامج مواكبة انتقالية حاليا ما بين الواقع الحالي وبين تطبيق الاستراتيجية، فلن تصل المؤسسة إلى معايير الجودة العالمية في الخدمات ما لم تول الرعاية الصحية الأولية الاهتمام الأمثل وتنتقل من إدارة الأزمات والطوارئ إلى إدارة الأولويات وان تشمل خطة مواكبة مع مدارس قطر فيما يتعلق بالوقاية والصحة العامة لطلاب المدارس. ولعل الإفادة من تجارب الماضي الناجحة مهمة، ففي قطر البسيطة سابقا كانت هناك برامج شاملة للرعاية، فأذكر يوم أن كنا في المرحلة الابتدائية كان هناك برنامج واضح فيما يسمى بالأمس "الصحة المدرسية: حيث كنا نؤخذ لمقرها وهي احدى العيادات التابعة لوزارة الصحة سابقا ليشملنا فحص شامل منذ الصف الأول الابتدائي، هذا مع جداول أيضا لنا لزيارة طبيب العيون والأذن والأسنان. فما زلت أذكر عندما اشتكت إحدى الزميلات في الثانوية العامة من ضبابية في الرؤية وكيف شكت في انه قصر نظر، فتم اللازم من خلال المدرسة والممرضة فيها من تحويلها الى عيادة العين التي تبين بعد الفحص أنها سليمة، وتم اكتشاف أن سبب الضبابية في الرؤية ليس النظر بل هو فقر حاد في الهيموغلوبين ونسبة الحديد في الدم ليتم اخذ العلاج بالأسباب. وما زلت أذكر زميلة لي لا تسمع شرح المدرسة جيدا وكيف تم تحويلها من قبل المدرسة الى عيادة الأذن والأنف والحنجرة ليتم استيضاح درجة السمع ولتكتشف أن كل ما في الأمر مجرد شمع أزيل وزال العارض بزوال السبب. شكرا لمدارس التعليم النظامي وللصحة المدرسية وبرامجها الناجعة سابقا رغم تواضع النمو والتقدم والإمكانات. إن الدور المنوط بمجلس الصحة والمؤسسة الطبية اليوم كبير ويجب أن تستوعب برامجه كل من الصحة الوقائية وخطط الرعاية الصحية العامة للسكان بمختلف فئاته فضلا عن ضرورة النظر في عودة برنامج الصحة المدرسية الذي تكتشف من خلاله أعراض متعددة يمكن معالجتها والوقاية من آثارها الجانبية مبكرا حتى تتناسب وعمر قطر المتطور بعد أن وصلت عنان السماء وتفوقت في مختلف المجالات. خصوصا وان عدد سكان قطر الذي يقارب المليون والسبعمائة ألف من مواطنين ومقيمين موزعين على مستشفيات عدة ومنها الخاصة والأهلية والخارجية، ما بين معالجين مجانيا أو برسوم رمزية أو منتفعين بتأمين صحي قد يلجأون فيه إلى عيادات خارج قطر مما يجعل من المخجل عجز المؤسسة عن خدمة العدد المتواضع للقطريين والمتبقين خارج التأمين الصحي. هذا وننتهز هذه الفرصة لأن نذكر أنفسنا كأسر بدور كل أسرة وأربابها بمسؤوليتها في الوعي الصحي والوقائي وليس العلاجي فقط والذي يتوجب علينا جميعا اخذ أطفالنا للمراكز الصحية والإفادة من مفهوم "طب الأسرة" ومطالبة الأطباء بخطط صحية شاملة لنموهم وصحتهم وألا نكون مواطني أزمات وطوارئ فقط، فوعي الشعب جزء من الوعي العام، وكما تكونون يؤمر عليكم. فـ"صحة الإنسان " أساس صحة الأوطان. كاتبة وإعلامية قطرية Twitter: @medad_alqalam [email protected]