10 سبتمبر 2025
تسجيلفي السابع من يناير عام 2014 توفي هيرو أونودا، فمن هو هذا الشخص الذي يبدو أن هناك من يستحضر قصته في الولايات المتحدة؟. أونودا شاب ياباني ولد عام 1922 عرف بحبه للجيش، وانضم لجيش الاستطلاع في الجيش الياباني، وقاتل مع رفاقه في الحرب العالمية الثانية، لكن في عام 1945 انتهب اليابان الحرب، وكان أونودا يخوض حرب عصابات في أدغال الفلبين، قتل خلالها 30 شخصاً تقريباً، وبعد خمس سنوات عاد أحد رفاقه وأخبر الجيش بالقصة، فقام الجيش الياباني بإلقاء منشورات على جزيرة لوبانغ الفلبينية توضح فيها أن الحرب انتهت، وأن على الجميع الاستسلام والعودة لليابان، لكنه أونودا رفض أيضا بسبب ولائه للإمبراطور الياباني. بعد أربع سنوات من القتال المتواصل وعمليات مستمرة من أونودا توقف الجيش الياباني عن البحث عنه ظناً منه أنه قتل مع رفيقه الذين بقي معه، حتى جاء عام 1972 عندما عرف أن أونودا لا يزال حياً عندما تمكن الجيش الفلبيني من قتل رفيقه أثناء اشتباكه مع جنود فلبينيين، فقام الجيش الياباني بإرسال أفراد من عائلته لإقناعه بالعودة، لكنه رفض، ولم يقبل بالاستسلام حتى أرسلت اليابان قائده العسكري السابق الذي أقنعه بالاستسلام وحصل على عفو من الرئيس الفلبيني وعاد لليابان ثم هاجر للبرازيل ثم عاد ومات في اليابان. أونودا يسمى بآخر رجل استسلم في الحرب العالمية الثانية، حيث بقي 27 عاماً في الأدغال الفلبينية يقاتل نصفها وحيداً. اليوم دونالد ترامب يحاول أن يكون أونودا جديدا، فهو لا يريد أن يستسلم، ويعتقد أنه يمكن أن يقاتل إلى ما لا نهاية، وهذه الحقيقة ليست موجودة، لا على مستوى إدارة الشؤون المحلية في الولايات المتحدة ولا على مستوى العلاقات الدولية، لهذا فإن الاستسلام للنتيجة بات هو الحل الأمثل لترامب والتسليم السهل بات مطلباً ليس فقط من الداخل الأمريكي بل من العالم أجمع. لقد حاول ترامب المهووس بالإعلام أن يكون في الصورة دائما حتى ما قبل الرئاسة، فخاض كل المجالات التي فيها حضور إعلامي، من الإعلام الرياضي للفني للدعائي للعقارات إلى نهاية الإعلام اللاأخلاقي، وسيبقى الرجل كذلك حتى بعد خروجه طواعية من البيت الأبيض أو مجبراً. لكن المشكلة التي سيواجهها ترامب هي مثل مشكلة أونودا عندما عاد ولم يتقبل الحياة الجديدة في اليابان وهاجر للعمل مزارعاً في البرازيل، فإما أن يجد ترامب أن الحياة في أمريكا التي كان يملك فيها سلطة القرار الأول لم تعد تطاق (وأستبعد نوعاً ما هذا الخيار) أو أنه يصبح إجباراً (وهو ما أجده راجحاً أكثر) لا يطاق من خلال مجموعة الدعاوى القضائية أو الحروب القانونية التي قد تخوضها ضده مؤسسات أو أفراد. أمريكا تحتاج للهدوء، وإعادة رسم الصورة التي رسمها أوباما، أتذكر جيداً أن أحد الضيوف ظهر على شاشة السي إن إن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وطرح سؤالاً تاريخياً يجب أن يعلق على أعلى برج في نيويورك وواشنطن، حيث قال: علينا قبل أن نحاسب الفاعل أن نسأل أنفسنا، لماذا هناك أشخاص يكرهون أمريكا لدرجة أنهم قد يدفعون حياتهم ثمناً للتعبير عن هذا الكره؟. تحتاج أمريكا لإعادة ترميم صورتها كما فعل أوباما عندما رسم أحلاماً وردية في كل مكان، خاصة في الوطن العربي عندما ألقى خطاب القاهرة الشهير، أو بمواقفه المرنة في كثير من الدول، أو تصريحاته المتصالحة مع كثير من القضايا الدولية، على أمريكا أن تكون حذرة من تصاعد رغبة العالم للتحول من عالم القطب الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب. أما كوشنر فإنه يحاول الآن لعب دور المقاتل الأمريكي ناثان ألغرين الذي لعب الممثل توم كروز دوره في فيلم مقاتل الساموراي الأخير، حيث يحاول أكبر مشكلة افتعلها مع إدارة ترامب، وهي مشكلة حصار قطر، ويحاول أن يلعب دور حمامة السلام الأخيرة لحل المشكلة، وترميم صورة الإدارة الأمريكية الحالية لتحقيق حلمه الحالم بجر كل المنطقة لاتفاق التطبيع. لم يكن ترامب يوماً أونودا، ولن يكون كوشنر يوماً ناثان، سيغادر الجميع البيت الأبيض، وستبقى القضايا الدولية الكبرى كما هي، وسيربح كل من حاربه ترامب، وسيبقى الحل الخليجي.. خليجياً فقط. [email protected]