15 سبتمبر 2025
تسجيلتهادت سفينة العنابي فوق رمال (الوادي) وهضاب (نجد) لترسو بجانب ملعب الملك فهد بالرياض حاملة (يزوة) العنابي في رحلة صيد جديدة، ولسان حالهم يردّد التكبير والثناء لله تعالى، استلهاماً لرحلات الأجداد فوق السفن القطرية التي امتشقت أشرعتها وعاندت أمواج الخليج وجاءت بالدانات إلى قطر.نزول (يزوة) السفينة وكلهم إصرار على قبول التحدي، ومقارعة الانتصارات، والصبر على غضب الأمواج المتلاطمة، نزلوا إلى الملعب بعزيمة الرجال واضعين نصب أعينهم الكأس الذهبية، التي لابد وأن تعود إلى الدوحة.قاد (النوخذا) جمال بالماضي السفينة باقتدار، خطَطَ ونفّذ، استشار وأشار، وعرف مواقع (الهيرات) حيث اللؤلؤ المكنون. صهلت الكرة أكثر من مرة وهي تدخل شباك الفرق المتواجهة، تدحرج (اليزوة) ابتهاجاً مع كل هدف يحرزونه، وكأنهم يجمعون لؤلؤ الخليج، ليصلوا إلى (الدانة) الكبرى ويخطفونها من (عين الردى) ومن فم (القرش) الذي يتربص بهم الدوائر. كان يشدهم حنينٌ إلى الوطن، ولكن يَعزّ الحنين إن لم تكن (الدانة) باليد. فرجوع (اليزوة) دون الحصول على (الدانة) الكبرى يعني - ضمن ما يعني - كساد الموسم القطري، وقلة الحيلة. ولكن عندما تسلم كابتن المنتخب الكأس الذهبية أفرحَ جماهير العنابي ورسم البسمة - وأيضاً دمعة الفرح - على وجوه كل القطريين والمقيمين الذين تابعوا المنتخب كل دقيقة عبر التلفزيون. نعم حصلت سفينة الخير على (الدانة)، وتهادت على أمواج الرمال مُيممة شرقاً نحو الدوحة، التي استعدت لاستقبالها بالأعلام والأهازيج، وهبَّ الشعب القطري مُحيياً ومُرحّباً بالإنجاز الكبير الذي حققه المنتخب القطري بفوزه بكأس دورة الخليج رقم 22، وسط ذهول كثيرين، ودهشة كثيرين، وأسى كثيرين. في ذات الوقت وسط فرحة أصحاب الكأس. وصلت سفينة الخير إلى الشواطئ القطرية على أنغام الهولو والفجري والحدادي، واعتمر (اليزوة) شعار الأدعم وحفّت بهم الفرحة وهم يتلقفون (الدانة) الكبيرة.(السردال) الكبير.. حاكم الحداثة.. وأمير البر والبحر الوالد سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني كان يلوّح بكل محبة وفرحة واعتزاز لـ (بحارة) قطر، مهنئاً على حصولهم على (الدانة)، يرتفع التلويح من (السردال)، فيما يعجُّ الكورنيش بأبناء قطر الفرحين، وترتفع الأكف بالتصفيق لهذا الالتحام العائلي الكبير بين الأمير الوالد والشعب، وكأن حالهم يقول: سوف نواصل المسيرة المباركة التي بدأتموها يا صاحب السمو مع حضرة صاحب السمو الشيخ تميم أمير البلاد المفدى، والذي لم يدَّخر وسعاً في تشجيع الشباب وتحقيق أمانيهم وحثهم على العمل الدؤوب والنجاح، مُستلهماً حكمةَ والده الذي سبرَ بحور السياسة، وغاص في قيعانها، وقاوم الأنواء وغضبَ الطبيعة، حتى أوصل قطر إلى ما كان يرجوه لها من تقدّم ورخاء. وتحمّلَ في ذلك الكثير، حتى تحقق حلمه في رسم قطر الحديثة على الخريطة الدولية، ليس في مجال السياسة فحسب، بل في عالم التجارة والاقتصاد، وتحديث البنى التحتية فيزيائياً وفكرياً، وأيضاً في عالم الإعلام وبناء الإنسان القادر على التعايش مع نفسه بنجاح ومع الآخر بروح من التسامح والسمو. وتجلت حكمة الأمير الوالد في أن يتم تسليم الراية إلى ابنه تميم ليتحمّل المسؤولية، ولإعطاء فرصة لجيل الشباب كي يتحملوا مسؤولية مواصلة البناء الناجح بروح وثابة ورؤية جديدة، في وقت "عزَّت" الكراسي على كثيرين!فرحة الشعب القطري بعودة سفينة الخير وعلى متنها (يزوة) العنابي ظافرين بكأس الخليج كانت كبيرة، وشارك فيها الصغير قبل الكبير، لأنَّ أي إنجاز يتحقق على هذه الأرض، وفي أي مجال من المجالات، إنما هو للشعب القطري، الذي عُرفَ بأمانته ووفائه وكرمه وتمسكه بقيم (كعبة المضيوم).يترجل (يزوة) السفينة وهم يحملون (الدانة) الكبيرة، وأيضاً يوزعون الحلوى البحرينية، واللبان العماني، والبن اليمني، وبخور الإمارات، و(نشاب) الكويت، والسيوف النجدية، وتمر العراق، على الجمهور الذي صدحَ بالأهازيج والهتافات مُرحباً بالسفينة. في وقت يصل الحداؤون من الوجبة والريان والخور والشمال ودخان، وكل الأراضي القطرية، ليحيوا البحارة ويدخلوا معهم في حلبة الفرح تعبيراً عن أصالة هذا الشعب ووقوفه صفاً واحداً في السراء والضراء.إنها لوحة تبدو (سريالية)، لكنها على أرض الواقع، حقيقية، وعبرّت خيرَ تعبير عن فرحة أهل قطر بـ(يزوة) سفينة المنتخب التي أدخلت البهجة على الجميع. حفظ الله قطر وأدام أفراحها وأزال الأنكاد عنها وعن شعبها.