21 سبتمبر 2025
تسجيلمع نجاح الانتخابات البرلمانية في المغرب، يمكن القول إن المنطقة العربية بدأت العبور إلى واقع جديد مختلف هذه المرة عما ألفته منذ عقود طويلة، ينتظر أن يكون له انعكاسات إيجابية على حاضرها ومستقبلها، ويفرض على مكوناتها في نفس الوقت تحديات من نوع مختلف. ولعل أبرز معالم هذا التحول الجديد ما يلي: ـ أن تداعيات ربيع الثورات العربية الذي اجتاح منطقتنا العربية شرقا وغربا خلال العام الحالي 2011 قد وضعنا أمام نموذجين للأنظمة الحاكمة في تعاملها مع مطالب شعوبها في الإصلاح والتغيير الأول: الذي أصرّ على تجاهل هذه المطالب، ولم يقدم أية تنازلات فعلية إزاءها، كما أصر على التعاطي مع احتجاجاتها السلمية بعنف مفرط وسفك متواصل للدماء، كما حصل في تونس ومصر وليبيا ويحصل حاليا في سوريا واليمن ـ وإن بنسب متفاوتة ـ وآخر : حاول تلمس المشكلة وقدم بعض التنازلات ، وقبل بإجراء انتخابات نزيهة شفافة، وبمشاركة شعبه له في إدارة دفة الحكم كما هو الحال في المغرب حاليا. ـ أن نجاح الانتخابات البرلمانية وإجراءها بنزاهة وحيادية لم يقتصر على الدول التي شهدت ثورات عربية كما في تونس، أو كما يتوقع في مصر ، بل شمل دولا آخرى لم تشهد هذه الثورات ـ وإن شهدت شيئا من الحراك الشعبي الاحتجاجي المحدود ـ كما في المغرب ، وهو ما يعني أن الأخيرة استفادت من دروس وعبر ما جرى في الدول الأخرى ـ فيما لم تستفد أخريات من ذلك، فانفجر الوضع فيها، كما يعني أن الإصلاحات الجادة قد تجسّر الهوة الحاصلة بين الشعوب وحكامها ، وتعزز من القوة الداخلية للأنظمة، وتجنبها خيار السقوط والانهيار ـ السريع والدراماتيكي على الأقل ـ ، كما حصل مع أخرى تعاملت مع مطالب شعوبها في التغيير بلغة المؤامرة ولم تنزع فتيل الاحتقان الشعبي المتأزم ، فانفجر الوضع فيها، حتى وصل الأمر إلى المطالبة بإسقاطها ورحيلها بدون رجعة . ـ أن نتائج الانتخابات التي أجريت ـ حتى الآن ـ عكست في مخرجاتها ألوان الطيف السياسي الداخلي للشعوب وتوجهاتها الفكرية والسياسية ، وتركت للشعب أن يقول كلمته في تقدير الوزن السياسي لكل طيف وحزب، دون أن تقصي أحدا عن الميدان السياسي، وهذا الواقع يفرض على الأحزاب التي لطالما عانت من ظلم الحكام وديكتاتوريتهم وشكت من ذلك القبول كل منها بالآخر، وبنتائج الانتخابات التي تعتبر هي الأفضل نزاهة حتى الآن، ، ونسجل هنا القبول الذي حظي به حزب النهضة من قبل بعض القوى، مقابل غمز شخصيات فكرية وثقافية وتيارات يسارية وليبرالية تونسية كانت تتغنى بالديمقراطية بهذا الحزب وقيامها بحملات التشكيك وتخويف الداخل والخارج منه لمجرد خسارتها. كما يفرض ذلك على هذه القوى ممارسة التشاركية السياسية وقبول التقاسم وتعزيز هذه الثقافة لدى قياداتها وأعضائها وتحويلها إلى سلوك ممارس على الأرض وإدارته بصورة راقية . ـ تفوق الإسلاميين الذين يمثلون تيار الإخوان المسلمين المعتدل ، وحصولهم على المرتبة الأولى بين الأحزاب، وهو ماله دلالات كثيرة لعل من أهمها: أن الشعوب إذا ما قدر لها أن تختار بشكل حرـ بعيدا عن تزييف الأنظمة ـ فستختار من يمثل هويتها الحضارية وثقافتها الوسطية المستمدة من عقيدتها ودينها الجنيف، بعيدا عن النزعات المتطرفة فكريا وثقافيا، ولكن بنفس الوقت فإن التحدي الأكبر لهذا الاختيار الذي منحته الجماهير للإسلاميين ( تونس، المغرب ) والذي من المتوقع أن منحه أيضا في انتخابات أخرى كمصر وليبيا يفرض على الإسلاميين أن يكونوا مظلة لاستيعاب القوى والتيارات الأخرى من حيث التنسيق والتحالفات وعدم التعالي عليها أو الضيق بهم ، أو الاستثار بالرأي واحتكار الحقيقة لنفسها فقط ، كما أن من التحديات التي تنتصب أمامهم تقديم المساهمة الفاعلة في خدمة المجتمعات والاسهام في تنميتها وتقديم حلول عملية تسهم في خفض معدلات الفقر والبطالة والتضخم وتوفير فرص العمل من خلال المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لأن الشعارات مهما كانت جميلة لا يكون لها قيمة إن لم تترجم على أرض الواقع، بصورة يحس الناس بمنفعتها وانعكاسها إيجابيا على حياتهم المعيشية والاجتماعية، فضلا عن نظافة الأيدي والشفافية في الأداء ، ونذكّرهم بأن تجربة حزب العدالة والتنمية التركي والشعبية الكبيرة المتنامية التي يتمتع بها والذي أكدت عليها أكثر من انتخابات أجريت كانت نتاج عمل دؤوب لحكومة الحزب ومؤسساته في خدمة المجتمعات على كافة المستويات، وهو ما انعكس في نمو الاقتصاد التركي ونمو الناتج القومي وتحسن دخول الأفراد، فضلا عن نجاح السياسات الخارجية ، لتثبت منذ عدة سنوات أنها استعادت مكانتها الإقليمية، وفرضت نفسها كلاعب لا يمكن تجاهلة خصوصا في محيطه . ـ قبول الغرب بالإسلاميين كمشاركين في منظومة الحكم ، بعد أن كان كثير من الحكام العرب والنخب يخوفون الغرب منهم، حتى يبرروا ديكتاتوريتهم ، ويثنوا الغرب عن مطالباته للمنطقة بالإصلاحات الديمقراطية . يمكن أن تعبّر التجربة الديمقراطية الوليدة التي بدأنا نتنسم عبيرها الفوّاح عن أشواق الجماهير واختياراتها بحق ، بخلاف الانتخابات العربية المزورة ذات النسبة المعروف 99,9% ، في تأييد الحكام والتي كانت هي السائدة ، وأن تفضي إلى معايشة مناخ مختلف يمكن أن يحتذى به، وأن يعيد الثقة المفقودة للمواطنين العرب بحكامهم ومؤسساتهم الوطنية الحكومية ومن يتسيدها، أو أن يعيد تكريس الحالة السابقة ويقدم نموذجا مشوها ـ لا قدر الله ـ يجبر الشعوب المتعطشة للديمقراطية حاليا للحنين إلى عهود الظلم والظالمين، وتلك لو حصلت فستكون مصيبة المصائب!