14 سبتمبر 2025
تسجيللا زلت أذكر كما يذكر أبناء جيلي في نهاية ستينيات القرن الماضي، كان المصروف اليومي للطالب في حدود النصف ريال، وكان يكفي لأن نشتري به «سندويتش» ومشروب من مقصف المدرسة، حتى في العيد كانت الدراهم المعدنية هي السائدة، القليل فقط من المقتدرين هم من يدفع نوط الريال، ومع ذلك كان هناك يوم فارق في السنة، في ذلك اليوم يأتي كل طفل الى المدرسة ومعه ريال ليسلمه إلى المعلم ويأخذ وصل من دفتر مميز، وكأني أنظر إليه الآن، ذلك الدفتر طبع خصيصًا لذلك اليوم المجيد، إنه يوم فلسطين الذي تحرص كل العوائل في الخليج على أن لا يخرج أبناؤها من المنزل إلا وقد دفعوا لكل واحدٍ منهم ريال فلسطين رغم قلة ذات اليد. لقد غرس فينا ريال فلسطين منذ نعومة أظفارنا الوعي المبكر بقضية المسلمين الأولى، ووجه وجداننا تجاه مسرى رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، كان رسالة إلى العالم بأسره بأننا على قلب رجل واحد تجاه قضيتنا، كان مهمًا آن ذاك لإيقاظ الضمائر وتوحيد المواقف والخطاب السياسي أكثر منه لسد حاجة صمود أهلنا في فلسطين. كانت نشرات الأخبار في وسائل الإعلام العربية متناغمةً لأبعد حدود في تصنيف قضيتنا الأولى، كان المصطلح السائد في بادئ الأمر وبالتحديد أثناء الانتداب البريطاني مصطلح «العصابات الصهيونية المسلحة»، وبعد أيام قليلة من قيام ما يسمى «بدولة إسرائيل» في عام 1948م، اتحدت تلك العصابات والميليشيات مُشَكِلةً جيش الاحتلال، عندها بدأ تداول مصطلح «الكيان الصهيوني» في وسائل الإعلام العربية. وفي العام 1951م أنشأت جامعة الدول العربية مكتب مقاطعة إسرائيل، وتمثلت مهمته في وضع لائحة سوداء مرتين في كل سنة باسم شركات الكيان الصهيوني أو باسم الشركات التابعة لدول أخرى تُجري مبادلات تجارية معه. وفي العام 1978م حصل أول اختراق لحالة الرفض العربي بتوقيع جمهورية مصر العربية لمعاهدة السلام مع الكيان الصهيوني وبرعاية أمريكية، والتي عرفت بمعاهدة كامب ديفيد، وعلى إثر تلك المعاهدة قاطعت معظم الدول العربية مصر، وتم تعليق عضويتها في جامعة الدول العربية ونقل مقرها إلى تونس. ثم جاءت اتفاقية أوسلو في العام 1991م بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني، وبدأ بعدها ماراثون التطبيع المشؤوم، وعلى إثر ذلك قام الإعلام بالترويج لمصطلحات تطبيعية حتى تتناسب مع المرحلة الجديدة، ولتهيئة الشعوب لعملية التطبيع التام، وقد أبلى موقع المركز الفلسطيني للإعلام بلاءً حسنًا في توضيح المصطلحات التي تعرضت للتشويه بما يخدم أهداف الكيان المحتل، ويوضح المركز على صفحته على شبكة الانترنت كيف أن مصطلح «المشرق الإسلامي» على سبيل المثال اصبح «الشرق الأوسط»، والكيان الصهيوني «دولة سرائيل»، وعملية الاستسلام «عملية السلام» أو «التطبيع»، والصراع مع اليهود «النزاع الفلسطيني الإسرائيلي»، والحقوق الفلسطينية «المطالب الفلسطينية»، وحائط البراق «حائط المبكى»، والمهاجرون اليهود «الإسرائيليون»، وأصبح الجهاد ومقاومة الإحتلال يسمى « الإرهاب والعنف الفلسطيني»، ومصطلح الأسير الفلسطيني أصبح «معتقل فلسطيني»، وقوات الاحتلال «جيش الدفاع الإسرائيلي». والسؤال بعد كل ذلك: هل نجح الإعلام الغربي والعربي (المطبع) في نزع القضية من وجدان الأمة؟ أعتقد بأن أحدث جواب جاء بعد السابع من اكتوبر ليثبت أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل، حيث تجسد التأييد التام للمقاومة الفلسطينية في ردة فعل الشعوب العربية الإسلامية وأحرار العالم على ما قام به الكيان المحتل من جرائم ضد أهل غزة، وتشوهت صورته إعلاميًا لدى الشعوب الغربية وفقد مصداقيته وسوف يخسر كل شيء في الأيام القادمة. فلله درك يا ريال فلسطين فقد هزمت مليارات الدولارات التي أنفقها الإعلام لنزع فلسطين من صدورنا، ورغم التضخم الذي يشهده العالم إلا أن قوتك الشرائية تبقى الأكثر نموًا وتأثيرًا وصمودًا في سوق الأحرار. ونقول لشهدائنا الأبرار: يا من يَعُز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيء بعدكم عدمُ