18 سبتمبر 2025

تسجيل

إعلاميات.. شيء من النحو

01 نوفمبر 2015

خلال رحلتي مع اللغة العربية منذ العام 1968 وحتى اليوم، حضرت مناقشات عدة حول (النحو) في لغة الإعلام، سواء في العمل بالتلفزيون والصحافة، أم في رحاب كلية الآداب بجامعة بيروت العربية. وأذكر كم كنا نستمتع في الثمانينيات عندما يجتمع المذيعون – في تلفزيون قطر- كل صباح عند المرحوم فوزي الخميس رئيس المذيعين آنذاك، لتداول شؤون نشرة الأخبار في الليلة الفائتة وأخطائها، حيث ندخل في حوارات طويلة وموثقة، ومعنا العديد من زملاء المهنة من قُراء نشرات الأخبار، حيث نُصلّح لبعضنا البعض ويأتي أحدهم بقواميس اللغة وكُتبِ النحو، كي نتأكد من وضع الكلمة وطريقة نطقها، وكان يساعدنا في ذلك الأستاذ زهدي أبو خليل الذي كان يتابع النشرة ليلياً ويقدم في اليوم التالي قائمة بأخطاء المذيعين، لقد كان زماناً جميلاً يحق لنا أن نفاخر به.هذه الأيام، ومن خلال متابعاتي لنشرات الأخبار في بعض الإذاعات والمحطات الفضائية، ألاحظُ "اجتراءً" على النحو العربي، ولقد اخترتُ أن أتحدث عن (الممنوع من الصرف) اليوم، إذ يختلط الأمر على بعض المذيعين والمراسلين في هذا الموضوع.والممنوع من الصرف هو الاسم الذي لا يلحقه تنوين، والاسم المنصرف هو الذي تظهر على آخره جميع حركات الإعراب، بما في ذلك التنوين.والاسم المنصرف يكون كالتالي: - أصبح محمدٌ مشهوراً.- رأيتُ محمداً بالأمس.- مررتُ بمحمدٍ هذا الصباح.أما الاسم الذي لا يُصرف فيكون كالتالي: - الساكت عن الحق شيطانٌ أخرسُ.- من تكلم فيما لا يعنيه كان إنساناً أحمقَ.- الذكي هو الذي لا يأتي بحديثٍ أحمقَ.معروف في علم النحو أن الاسم الممنوع من الصرف لا ينون، ولقد سمعت من بعض المذيعات خلال الأيام الماضية كلمات مثل: - درست اللجنة مواضيعاً مختلفة. (مواضيعَ)- وزعت المجموعة مناشيراً دعائية (مناشيرَ).- تم تحويل الأراضي إلى مزارعٍ للتبغ (مزارعَ).- تتراكم عناصرِ الجمال (عناصرُ).الخطأ هنا أن المذيعة أخذت الاسم على أنه مفعول به وقامت بنصبه، ولكن الكلمة (مواضيع ومناشير على وزن مفاعيل) لا تُصرف، وفي حال المثال الأخير تم تصريف (مزارع) على أساس الجر، وهي لا تُصرف. كما أن (عناصر) جاءت في موقع فاعل لا يجوز جرها دون سبب، وهذه من أغلب الأخطاء التي ترتكب، ومنها ما جاء على صيغة منتهى الجموع، وهي كل جمع تكسير ثالثهُ ألف زائدة بعدها حرفان أو ثلاثة، أو وسطها ياء ساكنة، مثل: (معالم، مخافر، مصادر، مساجد، عصافير، مسابيح، تماثيل، مناشير، تعابير.. إلخ). ويُصرف الاسم إذا كان مضافاً لما بعده مثل: - مررتُ بمساجدِ المدينة القديمة.- تصفَّحتُ قواميسِ اللغة الإنجليزية.- بناءً على مصادرِ الجامعة العربية.أما إذا كان أوسطها (متحركاً) فلا تمنع من الصرف، مثل: (تلامذة، جهابذة، صيارفة، عمالقة.. إلخ).وبعد وزن مفاعل أو مفاعيل، يأتي ما جاء على انتهائه بألف التأنيث المقصورة، مثل: (سلوى، ليلى، دعوى، قتلى، عظمى، كبرى، عليا)، حيث يمنع من الصرف.ويُلحق بذلك الاسم المنتهي بألف التأنيث الممدودة، مثل: (فقراء، صحراء، حمراء، كرماء، سعداء) وكلها تمنع من الصرف، أي لا يلحقها التنوين.وهنالك نقطة مهمة في قضية (الممنوع من الصرف) وهي أن الاسم الممنوع من الصرف إذا لحقته (أل) التعرف فإنه يُصرف، مثل (زرتُ المساجدَ الأثرية في إسطنبول) ولكن إن غابت (أل) التعريف فإن الإعراب يعود إلى الأصل أي بعدم التصريف، مثل: - مررتُ قُربَ مساجدَ أثريةٍ في إسطنبول.وهنالك حالة يُمنع الاسم فيها من التصريف، وهي أن يكون مختوماً بألف التأنيث الممدودة الزائدة، مثل: (شعراء، أتقياء،) لأن وزن الأولى فُعَلاء، ووزن الثانية أفْعِلاء.كما تُمنع الكلمات من الصرف في حال حضورها في وزن (أفْعل) مثل: أحمر، أجمل، أفضل، أسود، أبيض، ألطف).وفي حال الصفة، تمنع الكلمة من الصرف إن جاءت على وزن (فعلان) ومؤنثها (فعلى) مثل: - عطشان – عطشى- غضبان – غضبى- ظمآن – ظمأى- فرحان – فرحىوبعد، لا أريد الإيغال في موضوع النحو العربي، ولكن للمصلحة العامة، بحثت ووددت أن أقدم للزملاء بعضاً من شذرات النحو النبيل، الذي هو عماد اللغة العربية الجميلة.