16 سبتمبر 2025
تسجيلرغم أن حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، أصغر من اعتلى منبر الأمم المتحدة، خلال الفترة القصيرة من حكمه، إلا أنه قدَّم للمجتمع الدولي رؤى جديدة تختلف عما ألفناهُ من لغة الدبلوماسية وخطاب الأماني من على ذلك المنبر.ورغم أن قضايا الأمة العربية خاصة، وقضايا المجتمع الدولي عامة، تبقى حاضرة في جميع خطب وبيانات من يرتقون منبر الأمم المتحدة، إلا أن فعلية المبادرات وصدقية المشاريع بدت أكثر حضوراً في خطابات سمو الأمير، ومنها هذا الخطاب الذي ألقاه خلال الدورة السبعين للأمم المتحدة في نيويورك، الإثنين 28/9/2015.ورغم ملامسة الخطاب لأغلب قضايا المجتمع الدولي، إلا أنه أعاد المنبر إلى حقيقة "غياب التوافق الدولي" والذي "يشكل عائقاً أمام حل القضايا المهمة، كما أن الانتقائية في تطبيق العدالة والقانون الدولي مازالت سائدة في التعامل مع القضايا الإقليمية، مما يضر بمفهوم الشرعية الدولية".وفي ذلك اعتراف أمام صانعي القرار الدولي بأنهم عاجزون عن حل القضايا المصيرية، ومنها: الحرب في سوريا، الصراع في العراق، النزاع في اليمن، ضراوة الإرهاب، انتهاكات إسرائيل للمقدسات الإسلامية وممارستها العنف ضد الشعب الفلسطيني، عدم تحقق العدالة الاجتماعية، ودور ذلك في زعزعة الأمن والاستقرار في العالم. وأيضاً "الانتقائية" التي يمارسها "الكبار" في النظر بعين واحدة إلى كل قضية، دونما اعتبار للنظرة من العين الأخرى.ولقد أبدى صاحب السمو الأمير استعداد دولة قطر لاستضافة حوار بين مجلس التعاون وإيران، مشيراً إلى أن الخلافات بين الطرفين هي "خلافات سياسية (عربية /إيرانية) وليست (سنية / شيعية)، وهذه يمكن حلها بالحوار، والاتفاق على قواعد تنظم العلاقة بين إيران ودول الخليج على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية".نحن نعتقد أن مواجهة الأحداث بالأفعال خير ألف مرة منها بالأقوال. ولاشك أن دول التعاون سوف تؤيد ما ذهب إليه سمو الأمير، خصوصاً أنه يرأس الدورة الحالية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.ويبدو الآن أن الكرة أصبحت في الملعب الإيراني، ونأمل ألا تخرج إلى (الآوت) أو يتسبب عدم الاحتفاظ بها جيداً في حدوث (ضربة جزاء)، حسب مفهوم الرياضيين. القصد هنا، توقع رد فعل إيجابي من الجانب الإيراني.نعم، نحن نأمل أن ترخي إيران مواقفها المتشددة تجاه بعض قضايا المنطقة وتنهج نهجاً على مستوى مبادرة صاحب السمو، وتستجيب للمجتمع الدولي، من أجل خلق مناخات الثقة والتفاهم وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول التعاون، أو غيرها من الدول العربية التي تتأثر بالتدخلات الإيرانية. كما أن قدر إيران الجغرافي أن تكون جارة لدول مجلس التعاون، وللجوار حقوق ومبادئ لابد أن يلتزم بها الجيران، كي تسود بينهم المحبة وتسود الثقة وينتعش التعاون لمصلحة الطرفين.الصراع في الشرق الأوسط مازال يؤرق المجتمع الدولي، ويُلقي بالظلم على الإخوة الفلسطينيين، وينتهك حرمة الأماكن المقدسة للمسلمين في القدس، كما حصل قبل أيام. كما أن الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني ما زال "الكبار" ينظرون لها بمكيالين، (في إقرارٍ لحقِّ إسرائيل في البقاء، وفي تجاهل تام لحقوق الشعب الفلسطيني ولحرمة الأماكن المقدسة لدى مليار وستمائة مليون مسلم، والتي تنص عليها المواثيق الدولية). ولقد أشار سمو الأمير في هذا الخصوص إلى تقصير المجتمع الدولي في إيجاد تسوية عادلة، وهو لم ينجح حتى في فرض إعادة إعمار غزة بعد العدوان. وقال سموه: "لقد عُقد مؤتمر دولي بمبادرة نرويجية خصيصاً لهذا الغرض، وتعهدت دولة قطر بدفع مليار دولار لعملية إعادة الإعمار، ونحن ماضون في تقديم المساعدات للقطاع حتى تنفيذ ما تعهدنا به، ولكننا نتساءل: ماذا جرى للمؤتمر وقراراته؟". وهنا – كما يقولون مربط الفرس – فقد ربط سموه ذلك بموقف المجتمع الدولي – ممثلاً بمجلس الأمن – وعجزه عن "إلزام إسرائيل باستحقاقات السلام، وفي مقدمتها وقف كل أشكال الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورفع الحصار الجائر عن قطاع غزة، والالتزام بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية".وهنا يتضح الموقف الذي تتخفى وراءه العديد من الدول النافذة في مجلس الأمن، والتي لا تتحمس كثيراً لتطبيق القانون الدولي، ولا التعهدات الخاصة بمجلس الأمن.القضية السورية كانت حاضرة في خطاب سمو الأمير في الأمم المتحدة، فقد أشار سموه إلى الجرائم البشعة والأعمال الوحشية التي يرتكبها النظام بحق الشعب السوري، وتهديد كيان الدولة وشعبها، وأثر ذلك في إدخال أشكال الإرهاب إلى سوريا، ما أدى إلى هجرات جماعية، حيث عانى الشعب السوري ويلات الشتات هرباً من الصواريخ والبراميل المتفجرة، والممارسات البشعة للإرهاب على أيدي المليشيات المسلحة. وكعادته دعا سمو الأمير إلى ضرورة فرض حل سياسي ينهي الأزمة في سوريا، حيث يحل نظام تعددي يقوم على المواطنة المتساوية للسوريين جميعاً. وهذا ما يمكن أن يحسر دور الإرهاب ونشاطات الجماعات المسلحة، ويعيد بناء سوريا من جديد. وألمح سموه إلى وجود "دول لا تستعجل الحل"، كونها تتأثر بالصراع مباشرة ولا تصلها حشود المهجرين. إشارة واضحة لـ"تقاعس" "أهل الحل والعقد السياسي" عن البحث بجدية عن حل ينهي الأزمة السورية، ويحقق كرامة الشعب السوري، ويوقف الممارسات اللاإنسانية ضد الشعب السوري، وأيضاً يجهض خطط الإرهاب الذي يسبب الذعر في المنطقة والعالم أجمع.وحول قضية الانتشار النووي، أشار سمو الأمير إلى ضرورة "نزع السلاح النووي من المنطقة كلها وكذلك أسلحة الدمار الشامل"، وفي ذلك رسالة واضحة أيضاً لموضوع القياس بمكيالين في إدارة قضايا المجتمع الدولي، وبروز تحكم "الكبار" في القضايا الدولية، حيث إنهم "يحاصرون" إيران وكوريا، ولكنهم لا يلتفتون لامتلاك إسرائيل القنبلة النووية!.تناول الخطاب أيضاً القضية الدامية في اليمن، حيث أكد سمو الأمير على أهمية الحفاظ على وحدة اليمن وسلامة أراضيه وسيادته، ودعم الشرعية واستكمال العملية السياسية وفق المبادرة الخليجية. واستنكر سموه قيام طرف سياسي موافق على مخرجات الحوار الوطني، بفرض "رؤيته وهيمنته على البلاد بواسطة السلاح". معلوم أن الشأن اليمني بالغ التعقيد في ظل مشاكل اليمن المتوالدة، وفي ظل اختلاف اليمنيين على الحلول الناجعة لحل تلك المشاكل. وفي ظل "التربص السياسي" والتخندق مع القبيلة ضد الوطن والدولة، يبدو أن الطريق مازالت غير ممهدة بالكامل، حتى مع مرحلة ما بعد (الحوثيين).تناول الخطاب أيضاً قضايا هامة، مثل: العراق، ودور الميليشيات الخارجة على القانون في اختطاف الأمن، كما هو الحال في سوريا واليمن وليبيا.موضوع المواطنة كان حاضراً في خطاب سمو الأمير، حيث أشار سموه إلى "خروج آلاف الشباب العرب مطالبين بالمواطنة كأساس للشراكة، رافضين تمثيلهم على أساس طائفي". وهذه قضية هامة لم تولها الدول العربية الاهتمام اللازم، ما أجبر ملايين الشباب العرب على "الكفر" بالعديد من "الأصنام" و"نبوءاتهم" التي لم تحقق لهم حتى اليوم (استدارة الرغيف).خطاب شامل وواضح وبعيد عن الدبلوماسية والقفازات المخملية، التي لا تؤكل الشعوب عيشاً. فشكراً لسمو الأمير على رؤيته الثاقبة ودقته في تحليل الأحداث التي تؤرق شعوب العالم.