13 سبتمبر 2025

تسجيل

إجتثاث الإخوان وإختراقات إيران

01 أكتوبر 2013

في الأسابيع الأخيرة الماضية كانت الأحداث الدراماتيكية سريعة للغاية، ومع أن هناك من كان يتوقع بعض ملامحها، فإن الصورة الأكبر لم تكن تخطر على بال أهل القيادة والسياسة في العالم العربي، خصوصا ممن يتصنمون أمام صورة واحدة لا يريدون رؤية غيرها من صور الطبوغرافيا السياسية ولا الجغرافيا المصلحية للدول الكبرى تجاه عالمنا الشرق أوسطي، فمن كان يتحرى نهاية قريبة لنظام الأسد خاب أمله، ومن كان يتحرى لجم الحصان الإيراني الجامح خاب أمله، ومن كان يظن أن فتح باب المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ستؤدي إلى هدنة مؤقتة على الأقل خاب ظنه، ولم يبق في بورصة التوقعات سوى انتظار ما ستؤول إليه جهود إحباط التحالف الثلاثي المهيمن على المشهد السوري المتمثل بالنظام مدعوماً من إيران عسكرياً وروسيا سياسياً. ففي الوقت الذي أعلن في القاهرة عن حلّ جماعة الإخوان المسلمين وحظر أنشطتها كافة سياسية واجتماعية ومالية، وبواسطة محكمة القاهرة تقرر قانون عرفي هو "اجتثاث جماعة الإخوان"، كان حكام إيران الجدد يجلسون في نيوورك يستعرضون دبلوماسيتهم بلغة المنتصر، ليتكرر مشهد سقوط بغداد في حضرة الذهول العربي والفرح الإيراني.  وما أقره المصريون الجدد يذكرنا بما قام به النظام الجديد في العراق حين أقر قانون اجتثاث البعث، ومع فارق الوضع السياسي والأيدولوجي والاجتماعي ما بين "الإخوان" وما بين حزب البعث، فإن التجربة البعثية أعطت سببا للعراقيين الجدد أن ينتقموا من حكم البعث بحل الحزب ومطاردة قياداته وإعلان اجتثاثه، ولكن الإخوان لم يحكموا من قبل، بل كانوا ضمن مجموعة الفئات المهملة والمطاردة والمحاربة سياسيا وأمنيا في مصر والعراق وسوريا خلال العقود الماضية. لقد وقف الرئيس الإيراني حسن روحاني على منصة الأمم المتحدة ليتحدث بلغة الواثق وينثر الورود السياسية عبر كلمات دبلوماسية قدم فيها جملة من طروحات القيادة الإيرانية الجديدة فيما تراه للعلاقات السياسية مع العالم العربي والغربي وإسرائيل، ولم ينس أن يغير من صورة سلفه محمود نجادي فيما يتعلق بالمحرقة النازية، حيث أقرّ بأن المحرقة نالت من اليهود، وفي هذا غزل ليس للوبيات اليهودية المؤثرة في المجتمع السياسي الأمريكي فحسب بل وأعطى مفاتيح تقارب مع الإدارة الأمريكية لبدء مرحلة جديدة من العلاقات تستفيد منه طهران وحدها لإذابة الجليد الذي كان يحيط بوضعها كدولة محظورة، وبالفعل حصل على جائزة وهي الاتصال المباشر بينه وبين الرئيس الأمريكي باراك أوباما. روحاني اخترق الجدار الحديدي مع واشنطن عبر سوريا ودعمها لنظام الأسد بكل قوة، والإمداد القوي لحزب الله في خاصرة جنوب لبنان، وتقاربه مع روسيا، وما حدث معه أصاب السياسيين الإسرائيليين وبعض العرب أيضا بشيء من الجنون، دفعهم للاجتماع في نييويورك لتدارس وجهات النظر حول ذلك الاختراق الصادم، فأوباما رأى في تصريحات روحاني فرصة لاستكشاف إيران خارج الإطار القديم، فيما طار رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو إلى واشنطن لمقابلة أوباما وتحذيره مما وصفه بالكلام المعسول للدبلوماسية الإيرانية، وسيلقي الثلاثاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة سيركز فيها على خطر التسليح الإيراني. السؤال البديهي هنا، ألا يفهم النظام العربي المتمثل بدول القوى العربية كمصر وسوريا ومن يتحالف معها أن هناك أساليب سياسية جديدة للتعامل مع البشر من خلال نظام الاحتواء والمشاركة السياسية وحفظ حقوق الآخرين في حق القرار وتبادل السلطة بعيدا عن سياسة الاستعداء، فإذا كان نظام الأسد الذي سيبدأ بتدمير مخزونه الكيماوي الذي لم يستخدمه إلا ضد فئة من شعبه لا يزال معاندا بدعم خارجي ضد القوى السياسية الوطنية ويعلن الحرب عليها باسم الحفاظ على عروبة ووحدة سوريا وباسم الممانعة والصمود في وجه إسرائيل الذي لم ولن يحاربها، فما هو تبرير النظام العسكري المتجدد في مصر عندما يجتث جماعة سياسية لها أيديولوجية خاصة وحضور ممتد عبر التاريخ في المجتمع المصري جاءت بها صناديق الاقتراع لسدة الحكم. إن محاولة اجتثاث جماعة الإخوان المسلمين في مصر المتمثلة بحظرها، أشبه ما يكون باجتثاث اللغة العربية من بطون الكتب، فاللغة ستبقى دارجة على ألسن الملايين من الناس، وما فعله الحكم العسكري ما هو سوى مطاردة بوليسية أعادت مصر إلى غياهب السجون، وعليهم أن يفهموا أن العالم يتغير، حتى دول في إفريقيا التي عاشت في ظلام الدكتاتوريات نهضت من تحت الرماد الأسود، وخلقت ديمقراطيات جديدة تحكمها صناديق الاقتراع، ولن ينفعهم ملء السجون بقيادات أو كوادر حزبية كانت قبل أشهر ضمن منظومة الدولة العاملة، فإذا استطاعوا فعل ما يريدون الآن في ظل انشغال دول العالم بقضاياها الداخلية، فماذا سيفعلون بعد سنوات قليلة قادمة لن يكون للحكم العسكري محلا على شواطىء البحر الأبيض المتوسط على الأقل.