18 سبتمبر 2025

تسجيل

أمانة الكلمة

01 أكتوبر 2011

الأمانة بمفهومها الشامل وما تحتويه مدلولاتها من معان معبرة ومؤثرة تسهم في صياغة نموذج مشرف يؤثر الإخلاص في القول والعمل إمعانا في انطلاقة عامرة نحو آفاق فسيحة من الثقة والطمأنينة، ولئن شكلت الأمانة في العمل رافداً يتم من خلاله المحافظة على الحقوق وعدم التفريط أو الاستهانة بها، فإنها في القول لا تقل أهمية حيث إن الكلمة تسهم بشكل مباشر في التأثير من خلال التعبير سواءً كان ذلك من ناحية النقل والتوثيق، أو من خلال التحليل وإعداد التقارير المختلفة فمراعاة الدقة وتحري الصدق واجب تقتضيه أمانة الكلمة والمسؤولية الأدبية بمعزل عن التضليل واستغلالها كمطية تثير النعرات وتؤجج النزاعات، وقد يستسهل البعض التعامل مع هذا الأمر ويستمرئ في تطويع الكلمة لتحقيق مآرب تهدم ولا تخدم فيما يسِّوق الفحش متجاهلاً أو متذاكياً وبزعمه أن هدفه نبيل، والنبل في محرقة جوفه أمسى رماداً حينما ضرب بالحرص والتقصي والدقة عرض الحائط وأماط اللثام عن سوء الظن ليلوي أعناق الحقائق، لا لشيء سوى فراغ في الفكر يسومه الانحطاط بسوء الأخلاق، وهو يرى تبعات عمله الشائن قد أتت أكلها بؤساً مقيماً، في استمالة فجة للسذج ولن يحمل تبعات ما نطق لسانه، أو خطت يداه أحد غيره هو، وهو الذي يجني على نفسه، حين يطلق العنان للسانه أو لقلمه بمعزل من التروي والتحقق وتقدير الأمور حق قدرها، ولا تقتصر السرقة باختلاس الأموال العامة والرشوة والتدليس وتبديد الأموال وتبذيرها فحسب، بل إن السرقة تتمثل أيضا بالجحود والنكران حين تسهم المفاهيم القاصرة في خلخلة الثقة بالنفس، وتزعزع هذه الخلخلة عمق الانتماء، لتلج الاستقامة أنفاقا مظلمة، وقتئذ يكون الشرخ مؤلما وموجعا، كيف لا والأمانة قد رهنت لاستنتاجات قد انبرى لها الشك، ليحيلها إلى أثر بعد عين، ووفقا لاستنباطات تكرس التعصب وتؤدي إلى الفرقة عبر تغليف مضلل. ولما كان السلوك مقرونا بالتصرف مخالفا لما يدور في خلجات النفس، من تبييت للشرّ وإثارة للفتنة والزج بالنقاء في أتون إرهاصات فكرية تتراكم وتسهم في نسج ازدواجية تتفاعل وتتعاطى مع الأمور من منظورين مختلفين، فهي تبدو في الظاهر مهادنة مستكينة، تجاري المصلحة أينما حلت، وفي الباطن سرقة مقيتة فجة.والخداع المقرون بالتحايل الأخرق ليس من مروءة الرجال ولا شهامة الشجعان، بل هو إفراز لشكوك تسهم في صياغة مفاهيم معوجة ولم تتكئ على أساس قوي ونقي وثابت بقدر ما يتيح الخلط في المسائل وسائل في التشويش وفقا لاستنباط حائر وغير محكم في حين أن اختلال التوازن أدى إلى انتفاء تقدير المخاطر، جراء هذه البلبلة مما أفضى إلى غياب التشخيص الدقيق، وعلى سبيل المثال حينما يقحم الورع في التنطع وشتان بينهما في خلط عجيب غريب إمعانا في اعتساف النصوص ولي أعناق الأدلة البيضاء الناصعة، وسواء كان الوهم أو الإيهام، عنصر المكابرة في هذا السياق، فإنه لا يبرئ ساحة من امتطى صهوة الريبة ليقذف بالأحكام تلو الأحكام، غير عابئ بتبعات هذا الأمر ومغبته، وهو يسوق الأفكار ويبوب الأدلة، عطفا على استنتاجات، لم تصب بحال من الأحوال كبد الحقيقة، بينما استمد مكابرته وغروره في ضوء قدرته على الإقناع وتمكنه من استمالة الشباب بأسلوب مؤثر والعبث بعقول الناشئة، مسوغا له هذا الأمر الولوج في هذه المسائل الخطيرة، وهو الذي سيقف أمام البارئ عز وجل يوم تشقق السماء بالغمام حينئذ فإن الحِمْلَ سيكون ثقيلا، والورع هو الابتعاد كل البعد عما يكسب النفس إساءات وإلحاق للأذى بالآخرين أيا كان نوعه أو تضليلهم وبمعزل من جرأة، نتائجها ليست محسوبة بشكل قاطع ودقيق، لكيلا يَضل ويُضل وأن يربأ بنفسه عن طرق هذه المسالك ويتجنب الوقوع في المحظور، لاسيَّما وأن النفس ترغب في التميز والتفرد فيما يمارس الحماس والحالة تلك دورا مشبوها، إزاء حالة اندفاع تفتقر إلى الانضباط، وبالتالي تمكين الشهوة من فرط سيطرتها، لتصادر الهدف بسوء استعمال الوسيلة.