17 سبتمبر 2025
تسجيلهل يفر المرء من وطنه؟! سؤال ربما لم يسأله أحدكم حتى لنفسه، وهو يشهد آلاف الأفغان يفرون من بلادهم بعد سيطرة حركة طالبان على السلطة، بعد ما يقارب الـ 20 عاما من الحرب والصراع والقتال مع قوات حكومية وأخرى أمريكية وغربية، وقد تعلق بعضهم في عجلات الطائرات الأمريكية المغادرة من مطار كابول لينتهي به الحال إلى السقوط ميتا من على علو شاهق، أو رأيناه محشورا في إحدى الطائرات لا يعرف إلى أي وجهة تأخذه أو أي مصير ينتظره بعد فراره، أو حاملا لكلمة لاجئ ونظراته الزائغة تحوم بالمكان الجديد الذي وصل له بلا حول له ولا قوة، ولكن كل ما كان يهم هذا وغيره الكثير هو أن يفروا من وطنهم وكأن طالبان الوحش الذي لم يتوقع الأفغانيون أنه يستطيع الخروج من قمقمه المزروع في وسط جبال بلادهم الشاهقة، والوصول إلى عمق العاصمة كابول والحكم اليوم بما وعد الطالبانيون به وهو العفو عن الجميع دون استثناء، والحكم بشريعة الله الإسلامية، والتي يتخوف منها الأفغانيون كثيرا لا سيما وأنها كانت سببا رئيسيا لهروبهم الجماعي، هذا باعتبار ما يعتقدون عنها أنها تحمل تشددا كبيرا يصل لدرجة التطرف في الأحكام والمعاملة من قبل طالبان في ممارساتهم وأحكامهم، خصوصا وأنهم قد جربوا سياسة الانفتاح قليلا بعد دحر حركة طالبان عقب الغزو الأمريكي البريطاني الغربي المشترك على أفغانستان إثر الهجوم الذي شنه تنظيم القاعدة من الأراضي الأفغانية على برجي التجارة العالمية في قلب نيويورك وعلى مبنى البنتاغون في عمق العاصمة الأمريكية واشنطن في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، واعتادوا حياة أكثر تحررا وإن كانوا لم يحصلوا على الأمان الموعودين به بعد محاربة طالبان التي استمرت في استهداف الأمريكيين والقوات النظامية للحكومات الأفغانية التي توالت على حكم الدولة الأفغانية بعد الحرب على طالبان والقاعدة فقد ظلت التفجيرات المباغتة تهدد تحركات المدنيين بالإضافة إلى الألغام المزروعة هنا وهناك، والتي كانت تحصد عشرات الضحايا سنويا ولذا كان الفرار الجماعي عام 2021 لآلاف الأفغانيين المشهد الكبير والعميق الذي يجسد إلى جانب الخوف المتأصل تجاه حركة طالبان هو حالة اليأس الذي وصل له الأفغانيون مما دعاهم لتصوير مشهد هو الأكبر في تاريخ الهروب الجماعي المتمثل هو الآخر في بعض الدول العربية المنكوبة والمكلومة على حد سواء، مثل اليمن وسوريا وليبيا وغيرها ممن تعصف الحروب بأراضيها وتشتت شمل أبنائها بين قتلى وجرحى ومهجرين ومشتتين ولاجئين وضائعين تماما، وتأتي أفغانستان اليوم لتعظم حقيقة أن الأوطان يمكن فعلا أن تكون عدوة شعوبها قبل أن يأتي عدوها من الخارج ليعاديهم ويجبرهم على الفرار منها في يأس ظهر جليا على الذين وجدوا أن تعلقهم في عجلات الطائرة وهي ترتفع بآلاف الكيلومترات عن الأرض يمكن أن يكون فيه نجاة لهم، أو بالنسبة للعرب المكلومين الذين يخوضون غمار المحيطات الشاسعة والمجهولة للوصول إلى أي بر آمن لا يكون قتال فيه ولا قتل كالذي تركوه في بلادهم المتزعزعة والخالية من أي مؤشرات واضحة وقريبة لإنهاء كل مظاهر الدمار فيها، وأنا قد مررت اليوم على كل هذه المشاهد في أفغانستان والدول العربية الساقطة من دائرة الاهتمام العربي والدولي إلا في الدعوات الهزيلة للتهدئة والحوار وغضبت؛ لأن من يظلم الإنسان هو إنسان مثله له كل مقومات الآخر، لكن الأول امتلك القوة فبطش، بينما الثاني كانت حياته ساحة حرب مفتوحة للطرف الاخر، فلا بارك الله في وطن يقتل شعبه لينقذ رأسه!. [email protected] @ebtesam777