15 سبتمبر 2025
تسجيلكنا نحلم يوماً ما بالولايات العربية المتحدة لنصبح مثل العالم، ولكن صفعنا الكابوس لنستيقظ على مآسي الويلات العربية المتحدة علينا لنصبح محل تندر وسخرية العالم، بل إن العالم ضاق ذرعا بنا وبحروبنا التي تشبه حروب ديوك المزابل، وبالحكام الذين لا يعرفون طريقة في إدارة الحكم سوى السوط والعسكر، ثم بعدما رأينا كيف تحتل جيوش العالم منذ فجر التاريخ بلادنا وبلاد غيرنا لتجلب لبلادها خيرات المستعمرات، ها نحن نرى جيوشنا تقتل شعوبها ليبقى السيد الرئيس حاكما يحكم على شعبه بالموت والتشريد فيما لا يستطيع أن يحكم زوجته. المشهد الكارثي لضحايا هجرة الموت إلى المجهول يشعرنا بالعار، ويثبت مجددا كم نحن متوحشون كما هم أعداؤنا، فبينما يتشرد السوريون كي يرضي الأسد غروره، ويلعق نصر الله شاربيه، ويتجشأ قاسم سليماني كالثعلب المتخم من لحم الأرانب في وجه أطفال سنة سوريا والعراق وآبائهم، نرى كم هي الإنسانية التي حكمت لغة الخطاب الأوروبي تتضاءل بعد كرمٍ، حيث فتحت دول أوروبية كإيطاليا حدودها في البداية لدخول اللاجئين أو عدم طردهم، وكيف تهب قوات البحرية وخفر السواحل لتنقذ آلاف الغارقين بين أمواج البحر الأبيض المتوسط، الذي تحول إلى مقبرة الأحلام لأولئك المهاجرين. يسأل سائل: هل يحق لدول الاتحاد الأوروبي أن تقف في وجه تلك الهجرة القسرية المتدفقة نحو شواطئها؟ ولعل المجيب يقول: لم لا، ألم يغلق العرب حدودهم أمام أولئك اللاجئين والفارين من سوريا والعراق، لا بل أغلقت بغداد والنجف حدودها أمام النازحين السنة من أبناء محافظة الرمادي عقب سيطرة تنظيم داعش على المحافظة بداية هذا العام، وتصدت قوات الشرطة الاتحادية للنازحين من سنجار وربيعة وطوق الموصل الذين حاولوا الدخول إلى كردستان، فقتل في الرمادي والموصل الآلاف نتيجة المواجهات النارية بين الأطراف، فيما يواجه السوريون الفارون من بلادهم حواجز أمنية تمنع دخولهم إلى بعض البلاد العربية إلا بأعداد محدودة. إذا أليس حري بنا أن نخجل من أنفسنا قبل أن نكيل التهم للأنظمة الحاكمة في أوروبا التي ورثت الحكم عن إمبراطوريات وممالك كاثوليكية طالما كانت بلاد العرب هدفا لها، في ظل نشوة الاستعمار التي كان الغرب الأوروبي يتمتع بها في القرن العشرين، أليس حري بنا أن نطلب من الحكام القساة في العالم العربي والإسلامي أيضا، أن يكونوا أقل همجية وبربرية وسادية في تسلطهم وحكمهم على الشعوب بالموت إذا لم يسجدوا على صورة الرؤساء، ويقبلوا أحذية السلطة الفاجرة. إن أوروبا ليست ملزمة بنا حين تتقيأنا أوطاننا وتطاردنا أنظمتنا، ولكن نحن نعتمد على كذبة كبرى هي الحرية والديمقراطية والتسامح وشعار الإنسانية الذي يرفرف فوق سماء أوروبا، في حين نرى في عواصم شمال أوروبا كم هي درجة الشوفينية والتطرف عندما يكون الحديث عن العرب والمسلمين، إن الشعوب لا تزال مشبعة بتعاليم الكراهية الدينية التي لا تسمح للنساء المسلمات بارتداء الحجاب، مع أن نساء أوروبا حتى منتصف القرن العشرين كن يرتدينه على الطريقة الغربية، ومع هذا لا يمكن أن نرمي بالمسؤولية على دول الاتحاد الأوروبي الذي سيعقد وزراء داخلية أعضائه، اجتماعا طارئا بعد أسبوعين لبحث طرق مواجهة أزمة تدفق المهاجرين إلى أوروبا، بعد تزايد الدعوات في أوروبا للتصدي لهذه المشكلة. إن العرب الذين لو استغلوا ثرواتهم النفطية والمائية والمعدنية والفكرية والأيدي العاملة المتدفقة في كل أنحاء العالم، لو أنهم كانوا جادين فعلا للتخلص من الحكام البرابرة، لكان الخلاص لا يكلفهم ثمن طائرة واحدة، لو أجبر الأسد ومبارك وعلي صالح ومثلهم نوري المالكي، بفعل قوة عربية وأممية، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من دمار تام للأوطان، وتشريد عام للشعوب، واستهزاء بنا من قبل سكان الكرة الأرضية، فموت القذافي كان خلاصا لليبيا التي بدأت أول خطواتها نحو الدولة الحديثة عقب تشكيل المجلس الوطني الانتقالي، قبل أن تنقلب عليه القوى الخارجية وتُفشل المشروع الوطني، خشية وصول الإسلاميين للسلطة المشروعة. اليوم تعد الشواطئ الليبية منصة الانطلاق لجميع اللاجئين البؤساء نحو البحر المتوسط جراء دماء وجثث الضحايا من العائلات المشردة من أوطانها وغالبيتهم من السوريين والأفارقة، وهذا يستوجب إجراءات فاعلة وحقيقية لحماية تلك السواحل لمنع "تجار البشر" من استغلال أولئك المساكين الحالمين بعالم جميل في أوروبا لم يجدوه في بلاد العرب أوطاني، وذلك بهدف كبح جماح الأحلام الكاذبة لآلاف العائلات التي ستتدفق من جديد، لتعرض النساء والأطفال للموت والضياع. فيما المهمة الأساسية المقبلة لجميع الدول العربية التي تحترم نفسها وإنسانيتها وعروبتها أن تتحالف للتخلص من بقايا الأنظمة التي يرأسها "قتلة البشر"، فسوريا والعراق واليمن وليبيا تشكل أكبر خطر يهدد مستقبل العالم العربي برمته، فإن بيت الصراعات محتدمة هناك، والقتل على الهوية الطائفية والدينية والإثنية مستمرا لا هوادة، فستتحول تلك الدول إلى قنبلة بشرية من الحاقدين غير المبالين، وسينفجر البركان الكبير في بقية دول العرب التي سلمت من ربيعهم الأصفر، ومن ذا الذي يدير بالاً حينها لوضع حد لمأساة ملايين البشر، حينها فقط سنكون في جهنم الأرض.