20 سبتمبر 2025
تسجيلشهدت الساحة السورية في الفترة الأخيرة تصعيداً في التوتر بين روسيا وأمريكا، وهما اللتان كانتا لسنوات قد ضبطتا تحركاتهما، كل في مناطق حلفائه، باستثناء ما قد يتخلل ذلك من توترات منخفضة، لكن ما حصل في الأيام الأخيرة المتزامنة مع الانكسارات الروسية على الجبهة الأوكرانية، فتح شهية المحللين والخبراء للتفكير في إمكانية أن تتطور الأوضاع المتوترة بينهما إلى مسارات خطيرة ومهلكة، لاسيما بعد أن اعترضت مقاتلات جوية روسية لمسيّرة أمريكية ودمرتها، كما تحرّشت مقاتلات جوية روسية أخرى بطائرة أمريكية كاد الحادث أن يتسبب في مقتل أربعة من الطيارين الأمريكيين على متنها. الظاهر أن روسيا تسعى إلى التحرش بالأمريكيين على الساحة السورية، أملاً في انتزاع تنازلات على الساحة الأوكرانية وغيرها، لاسيما وأن موسكو مقتنعة تماماً بأنه ليس بمقدور أمريكا الرد على الاستفزازات الروسية، لأن ذلك قد ينسف كل الجهود التي بذلت على مدى أكثر من عقد في تثبيت واقع سوري يخدم المصالح الأمريكية أكثر مما يخدم المصالح الروسية، ومع هذا فقد اتخذت القيادة الأمريكية خطوات مهمة في تعزيز قدراتها وقواتها على الساحة السورية بزيادة عديد قواتها أولاً، حين دفعت بالمئات من جنودها من العراق إلى الشرق السوري، حيث يتواجد هناك بالأصل أكثر من 800 جندي أمريكي لدعم ميليشيات قسد ومقاتلة تنظيم الدولة» داعش»، وأرسلت مع هذه القوات معدات عسكرية، في منحى يشير إلى عزم واشنطن للتصدي للتحرشات الروسية إن تصاعدت، وكخطوة احترازية متقدمة دفعت القوات الأمريكية حليفها جيش سوريا الموجود في قاعدة التنف إلى التواصل واللقاء مع المجلس العسكري المنضوي تحت ميليشيات قسد حيث ظهرت بوادر توتر بين الأخيرين، وهو ما يعني أن القيادة الأمريكية تستعد للمواجهة بالقدر الذي تسعى إلى تفاديها، وعززت هذا الاستعداد بإرسال طائرات إف 35 المتطورة إلى المنطقة وهو ما قُرئ على أنه استعداد لأي مستجدات أو تطورات غير محسوبة. روسيا المستنزفة والتي باتت أكثر إنهاكاً في أوكرانيا، لاسيما بعد التمرد الداخلي وفشل القمة مع الدول الأفريقية في استقطابها أقل من نصف العدد الذي شارك في القمة ذاتها عام 2019، أشار إلى تراجع الدور الروسي ليس على الصعيد الداخلي، وإنما حتى على الصعيد الدولي، مما دفعها ربما إلى تحريك الساحة السورية بوجه أمريكا، لأنها تدرك تماماً أن حليفها الإيراني ومعه ميليشياته الطائفية النشطة في سوريا، سيتحرك للدفاع عن مصالحه هناك، مما يفتح جبهة جديدة مع أمريكا وهو ما يخفف عن روسيا ما تواجهه في أوكرانيا، ودعم الحلفاء الغربيين للأخيرة ضدها. الإدارة الأمريكية ومع هذا تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى تبريد الساحة السورية، نظراً لاستعداداتها للانتخابات الرئاسية العام المقبل، ولحصر روسيا في جبهة أوكرانيا، فليس من مصلحتها فتح جبهات على نفسها وهي التي ترى في فتحها تخفيفاً عن خصمها الروسي ومنافسها الأخطر وهو الصين. ما يرجح كفة الطرف الأمريكي في سوريا، هو تردي الأوضاع في مناطق النظام السوري مما ألّب عليه حاضنته الأساسية، مما يجعل حليفه الروسي لا يثق بقدرته على المضي معه في مخططاته، بالإضافة إلى تلاشي الآمال العربية في التطبيع مع النظام السوري، لرفضه الانصياع لما اشترط عليه، والذي انعكس بشكل مباشر في زيارة وزير الخارجية فيصل المقداد إلى إيران، بالإضافة إلى أن لهجة دول الجوار غدت نبرتها أشد قسوة ضد النظام السوري، حيث لأول مرة يشير الرئيس التركي إلى مجازر الأسد، وهو الذي أحجم عن ذكرها لفترة طويلة، بل استعد في فترة من الفترات للقائه، لكن تصريحات المسؤولين الأتراك الأخيرة كشفت عن تغير في التوجه التركي ضد النظام السوري، حيث لم يعد خيار لقاء أردوغان_ بشار وارداً، لاسيما بعد الابتعاد التركي عن الروسي واقترابه أكثر من أمريكا والغرب، وهو ما وتّر الأجواء الروسيةـ التركية على الرغم مما يبدو ظاهرياً من الهدوء. المواجهة الروسية ـ الأمريكية في سوريا مرتبطة بالأساس بطبيعة التصعيد في أوكرانيا، وبطبيعة التصعيد بين أمريكا والصين، وأمريكا وإيران، ولكن على ما يبدو فإن نذر التصعيد أقرب منها إلى التهدئة.