17 سبتمبر 2025

تسجيل

أغنياء مادياً فقراء بشرياً

01 أغسطس 2022

التعريف الجديد الذي أدخلته الأمم المتحدة في تقريرها حول التنمية البشرية تحت مسمى "الفقر البشري" ويعني الحرمان من الفرص والخيارات التي تعتبر أساسية للتنمية البشرية وتطوير المجتمعات واتجاهها نحو الديمقراطية وبعدها بالتالي عن أشكال الحكم القمعية والتسلطية ومن أهم مقاييسه الاستبعاد الاجتماعي أي عدم القدرة على اقتحام مناطق معينة داخل المجتمع وتقليل الحراك الاجتماعي لفئاته وتحديد الفرص وتحديد كذلك سقف المستقبل لكل فئة من فئات المجتمع. فالأدوار بالتالي محددة سلفاً لهذه الفئات ولا يمكن تجاوزها. بهذا المعنى تدخل جميع دول عالمنا العربي والإسلامي ضمن دائرة "الفقر البشري" فجميع شعوب الدول فقيرة بشرياً ولا يمكن بحال من الأحوال إحداث التطور السياسي الفعلي دونما تفكيك لآليات الفقر البشري المشار إليه بتوسيع الخيارات المتاحة لدى الناس وإلغاء الاستبعاد الاجتماعي وفتح سقف المستقبل لجميع الفئات بحيث يمكن لكائن من كان أن يصل الى أعلى مراتب السلطة وهكذا. وقد سبق لماركس أن أشار الى أن المجتمع الرأسمالي مجتمع فئوي والحرية فيه في تقابل مع الفقر وقد وصف الفلاح في المجتمع الرأسمالي بأنه حر لكنه فقير. لذلك فإن أنصاف الديمقراطيات لا تنفع مع هذا المفهوم الجديد للفقر الذي تحددت أبعاده في الحرية مع إمكانية للحراك الاجتماعي دون قيود ودون سقوف تحدد من يصل الى المواقع المتقدمة دون غيره ومن لا يحق له سياسياً أو ربما تاريخياً تحقيق ذلك. إن ما حدث في العقود الأخيرة من اقتناص غير بريء لمفهوم الديمقراطية مجاراة للعصر وهرباً من بشاعة الوصف بإهدار حقوق الإنسان ومصادرة الحريات لا يخرج من كونه جراحة تجميلية لتلك البشاعة يفضحها ويكشف عيوبها هذا المفهوم الجديد للفقر بالرغم أن هناك مزيداً من الحرية تتمتع بها تلك الشعوب إلا أنها فقيرة ومحددة الطموح والمستقبل سلفاً وجميعنا يلحظ الانتكاسات المتكررة على التجارب الديمقراطية المنقوصة وسبب ذلك في مضامينه يعني الاستبعاد الاجتماعي لفئات أخرى لم تتمكن بالطريقة السليمة من تغيير الوضع الراهن. ولابد هنا من الإشارة الى أن مفهوم الفقر البشري يتضمن العديد من المؤشرات التي لابد من اعتبارها للأخذ به في سبيل تطور المجتمع فهو عملية تنموية في حد ذاته، من هنا تبدو الإشكالية فيما يتعلق بالدول النامية فلا يمكن بحال من الأحوال العمل على تلافي مضامين الفقر البشري إذا كان في ذلك تهديداً للأنظمة القائمة لأن في ذلك زوالها واستبعادها من السلطة. فمن صالحها بالتالي الإبقاء على مؤشرات هذا النوع من الفقر لأنه يرتبط بقيامها واستمرارها. في حين تحتل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية المراكز المتقدمة في هذا المقياس الجديد كما يشير تقرير الأمم المتحدة عام فى بداية القرن الحالي فليس هناك استبعاد لفئة أو تنظيم أو طبقة من إمكانية التحرك الى الأمام أو الى الخلف وكل ذلك مرتبط بقدرتها على تنظيم نفسها وما يمكن أن تقدمه من برامج في جميع المجالات، بينما تحتل الدول الأفريقية والآسيوية بما فيها دولنا العربية والإسلامية مراتب في ذيل القائمة لجمود مجتمعاتها واقتصارها على تكويناتها التاريخية السابقة والتراتيبية المجتمعية الثابتة. فكل الذي شهدته العقود الأخيرة ونشهده الآن في خضم هذا العالم النامي هو مزيد من الحرية الفردية يقابلها تجسيد واضح لمؤشرات الفقر البشري الذي أشرت إليه خاصة مفهوم الاستبعاد الاجتماعي فحقيقة تلك الشعوب الواضحة تتجلى في أنهم أحرار لكنهم فقراء وبالأحرى سياسيا ومن الصعوبة بمكان كسر هذه المقابلة التي تقبض ثمن الحرية باهظاً حيث تقرنه بالفقر وفي ذلك ضياع لقيمة الحرية ما بعده ضياع.