12 سبتمبر 2025

تسجيل

صرخة أصيلة .. والمأزق العربي الراهن

01 أغسطس 2018

على مدى ثلاثة أربعة أيام، احتضنت مدينة (أصيلة) المغربية ندوة (مأزق الوضع العربي الراهن: المُمكنات والآفاق) ضمن موسم أصيلة الثقافي وبإشراف الوزير محمد بن عيسى، أمين عام منتدى أصيلة. وكان الهمُّ العربي حاضرًا في الندوة التي شارك فيها سياسيون ومفكرون وأكاديميون تنالوا بشديد من الألم واليأس الحالة العربية الراهنة، وعبّروا عن أن المأزق العربي الراهن، إنما هو نتيجة الصراعات والحروب وسوء الحالة الاقتصادية، وأن هذا المأزق لم يتواصل مع النظام العربي الذي ولد في الأربعينيات. كما ربط البعض حالة التفكك والتشرذم العربي – والذي يؤثر داخليًا على كل بلد عربي – قد اشتد إوارهُ بقد أحداث 11 سبتمبر، عندما تم ضرب برجي التجارة في نيويورك على يد (القاعدة) وما تلاها من تطورات. وصار أن تفكّكَ العراق بحكم الاحتلال الأمريكي، وبدأت بوادرُ خلط الأوراق في ظل سقوط البوابة الشرقية، وظهرت على السطح بدايات (الربيع العربي)، والحركات الإرهابية، التي اتخذت من العراق وسوريا ومصر مرتعاً لها، ما هيأ المناخ لتدَخُّل الولايات المتحدة تحت ذريعة محاربة الإرهاب. وربط بعض المتحدثين المأزق العربي الراهن - في بعض مظاهره - بسلطوية الحكم العربي، وتهميش منظمات المجتمع المدني، وغياب المشاركة السياسية، وكذلك وجود رقابة صارمة على المعلومات والرأي العام. وكل هذه المؤشرات مثّلت حجرَ عثرة أمام أي تطور تدريجي نحو الديموقراطية. ومع أن بعض المتحدثين كان متفائلاً بوجود نظام عربي جديد، وهو "مشجب" قديم، إلّا أن الإصلاح الحقيقي يجب أن ينبعث من داخل كل دولة ولا جدوى من "استيراده" من الخارج، لأن الخارج له أجندات وأطماع، وحتى تلك الوعود التي قطعها (الخارج) على نفسه لم يتحقق أيُّ منها، سواء في العراق أو سوريا، وبقية دول المنطقة. ولامَ بعضُ المتحدثين المواطنين العرب، الذين "استمرأوا" السلطوية، بحكم الانفراد الشخصي لصاحب النظام، وتهاوي الخطط الاقتصادية، وظهور مواجهات بين الشعوب والأنظمة، حيث لم تتمكن أغلب هذه الشعوب من ممارسة دورها الأساسي في أن تكون شريكًا أساسيًا في الاقتصاد والتنمية، وأن تكون لها كلمة فيما يتعلق بارتماء بعض الأنظمة في أحلاف ومعاهدات خارجية. ونظرًا للسلطوية التي مُورست في العديد من الدول العربية، فإن ذلك أرعبَ النُخب السياسية والمستنيرة، وجعها تتخلى عن أدوارها في خدمة مجتمعاتها، حفاظًا  على سلامتها وسلامة رغيف أبنائها. كانت إيرانُ حاضرةً في الندوة، حيث أعرب بعض المتداخلين عن أن المذهبية التي استشرت في بعض مناطق البلاد العربية، إنما انتشعت بعد الثورة الخومينية في إيران، وكان لها دور مؤثر في انفجارات وقعت في لبنان، العراق، سوريا ، اليمن. بل تمدّدت أذرع هذه المذهبية - خصوصًا العداء بين السُنة والشيعة- لتصل إلى خارج الحدود، كما حصل مع (حزب الله ) في لبنان، و(الحوثيين) في اليمن، و(القاعدة) في أفغانستان. ظهرت في الندوة بعض الأرقام حول مؤشرات الديموقراطية في العالم، وبدت (تونس) في المرتبة الأولى عربيًا و المرتبة 69 عالميًا، على الرغم من عدم ثبات النظام السياسي، فما بالكم ببقية سكان العالم العربي (360 مليون) يعيشون في ظل أنظمة غير ديموقراطية؟ وتساءل البعض: لماذا لم يبرز نظام عربي نموذجي خلال ال 100 سنة الماضية؟ قد يكون مُلهمًا لديموقراطية حقيقة؟ ولاحظ البعض أن هنالك تراجعًا في الاهتمام العالمي بالتحول الديموقراطي في العالم العربي، ولعلنا نستحضر وعودَ الإدارة الأمريكية عندم تم إسقاط نظام بغداد، وكذلك وعود (كوندوليزا رايس)، وزيرة الخارجية الأمريكية يومئذ، وما بعد 2005. ولقد مرّت أكثر من ثلاثة عشر عامًا، دون أن يتساءل أيُّ مسؤول أمريكي عن تلك الوعود، بمن فيهم الرئيس (دونالد ترامب) الذي ركّز في محادثاته الأخيرة في المنطقة على (الغلة) التي جناها من ثروات المنطقة، ولقد سبق إعلانهُ عن ذلك في حملته الانتخابية (لا حماية دون ثمن)! ولقد قبَلها العربُ دون نقاش. كما أن النماذج المحيطة بالمنطقة العربيه لا يمكن أن تساهم في نشوء ديمواقراطية حقيقية، سواء كان ذلك إيران أم تركيا أم الكيان الصيهوني - الذي يدّعي الديموقراطية- وهو يريد إسقاط الأنظمة العربية واحدًا تلو الآخر، من الداخل، دون الحاجة لإسقاطها بالقوة من الخارج! ورأى البعض أن الأحزاب الدينية المتطرفة، تُشكل أداة لبعث القلاقل في بعض مناطق الوطن العربي، حيث تتلقى تلك الأحزاب دعمًا خارجيًا. تساءل أحدهم: هل الديموقراطية لا تأتي إلّا عبر الاقتصاد؟ وجاوب: كوريا الجنوبية مثلاً حُكمت بدكتاتورية، إلّا أنها كوّنت اقتصادًا قويًا!. وهنالك مَن ربط التحول من النظام الديكتاتوري - كما هو الحال في الأرجنتين، تشيلي، السلفادور-  بتحوّل ديموقراطي، اعتمد النظر إلى المستقبل دون الإغراق في "تأثيم" الماضي، وتم تجميد جميع مشاكل الماضي - بين الحكومة والمعارضة - من أجل مشروع سياسي مستقبلي، بل إن تشيلي لم تلجأ إلى حالة الانتقام من الجنرالات، ودعت القضاء يُعالج الأمر، وهذا ما حصل عكسهُ في أيام (الربيع العربي)؛ حيث بدأ الانتقام أولاً من رموز السلطة (كما حصل في العراق، مصر، ليبيا، اليمن) ما ألهى الشعوب عن النظر إلى المستقبل. لاحظ البعض أن قضية العرب الأولى (فلسطين) قد تراجعت إلى الصفوف الأخيرة من اهتمامات اللقاءات الرسمية و النُخب! كما أن الجامعة العربية قد تهمّشت أدوارُها بصورة واضحة، نتيجة عدم قدرتها - كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي - على حلِّ المشكلات العالقة بين الدول العربي، وغابت عن ردهاتِها المبادراتُ نحو ولادة صوت عربي تجاه التطورات الأخيرة، ومنها صفقة القرن، وما ستترتب عليه من نتائج وخيمة على الشعب الفلسطيني، الذي هو لا يعيش أفضل حالاته بسبب الانشقاق على الذات، حيث لم تفد المبادرات لِلملمةِ الجرح الفلسطيني المُمتد من (غزة) وحتى (رام الله). كانت قضية التعليم والصحة حاضرة في ندوة أصيلة، إذ رأى بعض المتداخلين أنه لا يمكن تحقيق ديموقراطية في ظل وجود مواطن جاهل وعليل! وأن الاهتمام بالتعليم والصحة من أهم أساسيات خلق مواطن قادر على استيعاب مخرجات الديموقراطية أو المطالبة بها. وهنالك مَن لخّص عوائق تحقق الديموقراطية في العالم العربي على النحو التالي: 1- العائق الثقافي: وجود طائفية واضحة، وغياب المجتمع المدني، واللجوء إلى القبيلة أو الطائفة دون تقديم تنازلات من أجل الوطن. 2- العائق الاجتماعي: كسكان الأرياف والمدن، وغياب المرأة عن الحراك، وتحييد الشباب؛ ما يجعل الأرضية غير صالحة للمواطن المُنتج. 3- عائق سياسي: ووجود سلطوية، بجانب أحزاب غير مؤمنة بالتحول الديموقراطي، وهذا يعزز دورَ الاستبداد، مثال ذلك: ما حصل في ليبيا. هذا مختصر لما دار في ندوة أصيلة، وهو ضمن مسارات "الشجن" نحو عالم عربي تسوده الديموقراطية والعدالة الاجتماعية، وعقلنة توزيع الثروة، ما يمكن أن يُبعد "الفردانية" أو السلطوية، ويأخذ العالم العربي مكانته بين الدول المُنتجة للديموقراطية والحامية لها. كانت هنالك صرخة في أصيلة، ودَّ مُطلقوها أن تصل إلى صُناع القرار العربي! لا أدري إن كانت قد وصلت!؟