25 سبتمبر 2025

تسجيل

الثورة السورية وزلزالا دمشق وحلب

01 أغسطس 2012

من المؤكد أن الثورة السورية اعتبارا من الشهر الماضي (يوليو) وصلت إلى منعطف مهم في مسارها الهادف إلى إسقاط النظام القائم، واستعادة الشعب السوري لحريته وكرامته ونيل حقوقه. وتمثل هذا المنعطف بخمسة أمور مهمة هي: الاستهداف الناجح لما عرف بـ "خلية الأزمة" التي أصابت ذروة هرم النظام بمقتل في العمق، نظرا للتطور النوعي في عمليات الجيش الحرّ، وما أحدثته من خسارة، وحجم الاختراق الأمني الذي حققته على أعلى المستويات، وتمكن الجيش الحر من مواجهة جيش النظام في عقر داره في قلب العاصمة دمشق وفي عدة أحياء منها، رغم أنه اضطر للانسحاب منها تكتيكيا حرصا على حياة سكانها المدنيين، وسيطرة الجيش الحر شبه الكاملة على ريف حلب وإدلب وإعلان مناطق في الريف الحلبي مناطق محررة كإعزاز ومنبج والباب، والسيطرة على عدد من المعابر الحدودية مع تركيا والعراق، وأخيرا المحاولة الحالية للسيطرة الحالية على مركز مدينة حلب، حيث تدور معارك قوية وعنيفة بين كتائب النظام والجيش الحر والثوار، ونتيجة لهذه التطورات جنّ جنون النظام، وفقد أعصابه. كان معروفا منذ وقت مبكر من عمر الثورة أن الحسم في سوريا قد لا يحدث، أو يتأخر دون دخول عاصمة البلاد دمشق، والعاصمة الاقتصادية حلب، وصاحبة أكبر عدد سكان بين المحافظات، على خط الحراك الثوري بقوة. لقد كان حراك الريفيين الحلبي والدمشقي كبيرا منذ وقت طويل، ولكنّ مركز المدينتين تأخر، وعندما بدأ منذ عدة أشهر لم يكن بزخم كبير. الحراك القوي لحلب والمعارك التي تدور على أرضها الآن مثّل زلزالاً قوياً، بحسب مراقبين، سواء لجهة التأثير المتوقع أو التوقيت للأسباب التالية: ـ جاء استمرارا وتواصلا للضغط والتصعيد الثوري الذي تلا اختراق قلب دمشق والاشتباك مع كتائب النظام، ونجاح عملية استهداف "خلية الأزمة"، والسيطرة على المعابر الحدودية، وتزايد السيطرة على الأراضي في ريفي حلب وإدلب، مقابل تلاشي قوة النظام شبه النهائية هناك. ـ الاعتقاد بأن ثمة تفاهما تم بين ثوار حلب ودمشق، والجيش الحر في هاتين المحافظتين، كان نتيجته تحويل الشمال السوري إلى كرة لهب مشتعلة تؤرق النظام، وتضطره للتحرك بسرعة من جنوب البلاد إلى شمالها، وسبب ذلك إدراك الحراك الثوري أن التركيز على دمشق في هذه المرحلة نوع من استعجال قطف رأس النظام قبل التمكن من أطرافه، وإصابته بالشلل خاصة في حلب، نظراً لما تمثله السيطرة عليها من ضرب للعصب الاقتصادي للنظام، ولوقوعها قريباً من تركيا التي تأوي قيادة الجيش الحر وعدداً كبيراً من مقاتليه. ـ إن إحراز مزيد من النصر للثوار في حلب المدينة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 2.5 مليون نسمة سيكون له ما بعده في عملية تسريع وإنجاز الحسم بإذن الله، إذ إن ذلك يعني ببساطة أن مسافة مائة كيلو متر اعتبارا منها وحتى الحدود التركية باتت محررا، ما يجعلها نقطة مركزية للانطلاق نحو تحرير باقي المدن والمناطق السورية بعد تأمين خط للإمداد عبر تركيا، وهي الميزات التي تفتقدها دمشق. يعيش النظام في أسوء أيامه رغم محاولته إظهار التماسك، وتصريحاته بإمكانية استعادته السيطرة على المدن، بما في ذلك استعادة حلب وإخضاعها مرة أخرى، كما استعاد دمشق وأخضعها كما يظن، والسبب هو المنعطف الذي بلغته الثورة، كما أسلفنا، متمثلا في انتقالها من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، وحتى لو فقد الثوار مرة أخرى السيطرة على حلب لسبب أو آخر، فإن سياسة الكرّ والفرّ قادرة على استنزاف النظام، وعودة الثوار للسيطرة على هاتين المحافظتين، أو استهدافه واستهداف رموزه نوعيا فيها، كما لن يكون ـ بناء على التطورات الأخيرة التي حصلت ـ بإمكان النظام وأجهزته القمعية من الآن فصاعدا الاستفراد بمنطقة دون أخرى لوقت طويل، لأن خارطة الحراك الثوري صارت متسعة على امتداد خارطة السورية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، بحيث يصعب السيطرة عليها. ولا شك أن قوة الزخم الثوري الشعبي على الأرض الذي يقول كلمته هذه الأيام كفيل برفض أي أجندات خارجية ترمي إلى تكرار النموذج اليمني في سوريا، أو إعادة رموز محسوبة على نظام الأسد (الأب والابن) سبق أن ارتبط اسمها وتاريخها به، والإصرار على ترك الشعب ليقرر من يختاره للمرحلة القادمة. بشائر النصر والتمكين قادمة لشعب صبر على نظام استبدادي أكثر من أربعة عقود، وضرب أروع الأمثلة في التضحية وهو يصر على أن تبلغ ثورته أهدافها المرجوة، بينما باتت أيام الأسد معدودة حتى وإن حاول النظامان الروسي والإيراني عبثا ضح الدماء في عروقه الميتة ربما يأخذ الأمر بعض الوقت حتى ينهار النظام نهائيا، ولكنه آيل للزوال لا محالة بإذن الله، لأن هذه سنة التاريخ والحياة. رغم تقديري لجهودهم فإنني لا أفضل شخصيا تسرع الثوار في السيطرة على المدن بما فيها حلب ودمشق، بل أرجو اعتماد تكتيك المناورة والكرّ والفرّ مع النظام، حتى تصل أجهزته إلى مرحلة الشلل والتعطل شبه التام، وإلى حين امتلاك أسلحة تردع قصفه الجوي، حفاظا على أرواح المدنيين والبنية التحتية للمدن.