12 سبتمبر 2025

تسجيل

العيد والغرباء!

01 يوليو 2023

اعتاد الناس في مدنهم وقراهم خلال أيّام عيديّ الفطر والأضحى المباركين على الاجتماع بالأهل والأقرباء والأصدقاء لتقديم التهاني، وتناسي هموم الحياة ومنغصاتها ولو لأيّام، أو ربّما لساعات، معدودة! والعيد موسم دينيّ وإنسانيّ مُتجدّد، وفرصة راقية لنشر معاني الحبّ والصفاء والبهجة بين الناس. والابتهاج والاحتفال بالعيد مناسبة يفترض أن تكون بابا واسعا وخيمة كبيرة لتوحيد الأسرة الأكبر (الوطن)، ولقاء الأسرة الأصغر (الأهل)، ولعلّ أكثر ما يُغري الناس في العيد هو تصفية القلوب وتجميع الأحبّة، ولهذا نجد أنّ من أبرز العادات التي لم تتغيّر رغم كلّ الحوادث الجسام في العراق التجمّع في بيت (الجدّ أو الأب) أو رئيس العشيرة، وقد تكون هذه فرصة للقاء القاصي والداني بمكان واحد وبمناسبة طيّبة. ومن مظاهر عيد العراقيّين صنع حلوى العيد المعروفة باللّهجة المحلّيّة (بالكليجة)، وهي معجنات محشوّة بالتمر والسمسم والجوز، وتقدّم (الكليجة)، وهي من ضروريات الضيافة في الأعياد، مع الشاي الثقيل والعصائر. وصور العيد الورديّة في العراق تنقلب إلى مشاهد قاتمة في الغربة ذلك لأنّ السبب الأهم للسعادة الدنيويّة مفقود في المهجر، وهو معانقة الوطن والأهل. وهذه هي النقطة الإنسانيّة الأصعب بالنسبة للمهجرين، حيث يُجبر الإنسان على التأقلم مع واقعه الجديد شاء أم أبى، وهنا تكون مرحلة الاستسلام للحياة الجافّة الخالية من الأحباب والمفتقرة لعوامل السعادة والسرور. إنّ لوعة المُغتربين تتجدّد في حياتهم تماما مثلما يتجدّد العيد، وهذه ملحمة إنسانيّة بحاجة إلى حلول عاجلة تُغذّي بساتين الحنان بنسائم الوصل واللقاء. وما من عراقيّ في الغربة إلا وتهزّه ذكريات الوطن والاجتماع بالأهل والأصدقاء وجميع التفاصيل الدقيقة الرقيقة والطيبة الجميلة. وأمنيّات الغربة بسيطة وصغيرة ولكنّها بعيدة وغير مُمكنة التحقيق بالنسبة لكثير من المُهجرين والمُغتربين، وهنالك في أعماق نفوس المغتربين وأرواحهم ذكريات وصرخات تتشظّى وترسم لوحات يقطر منها الحنين، وانكسار القلوب وضياع معاني الحياة، لأنّ أيّ الإنسان لا يمكن أن يعيش بلا جذوره تماما مثل الشجرة التي تموت بفصلها عن جذورها. في الغربة تتجمّد المشاعر، وتتراخى الآمال، وكلماتنا هي كلمات غريب للغرباء، حيث إنّ الغرباء والمهجرين وحدهم يعرفون مرارة الغربة، مثلما المرضى وحدهم يعرفون مرارة الدواء. ومن أشدّ أنواع الغربة غربة الأرواح والقلوب والعيون، وليس غربة العقول التي لا يمكن حجرها بأيّ مكان، ولهذا فإنّ غربتنا غربة أرواح هائمة، وقلوب متعطّشة، وعيون متشوّقة إلى أرض العراق، كيف يمكن أن تُقنع فكر مَن يمشي هائما في طرقات المدن البعيدة وتتلفّت عيونه في كلّ صوب وهو يبحث عن ذكريات العراق؟، وكيف تُقنع روحه وقلبه بالسكون والهدوء وهو يأبى نسيان التفاصيل الجميلة وحتّى اللحظات القاسية؟. إنّ الأرق يلفّ ليالي الغُرباء، والوجد يغطّي نهارهم، لأنّهم باختصار يعيشون تماما مثل البنايات المهجورة من ساكنيها، فأجسادهم خارج العراق وقلوبهم تسبح في نهر دجلة، وتقف على شواطئ نهر الفرات، فعلا ما أضيق العيش بعيدا عن الوطن ولو كنت في أفخم القصور، وأجمل المدن. ليتكم يا أصدقاء تعرفون معنى هذه الكلمات، وليتكم تشعرون بذات المشاعر التي تهزّ قلوبنا وأرواحنا في طرقات الغرباء. وبعيدا عن هموم الغربة نأمل أن يكون العيد القادم على أرض العراق، وأن تنتهي حالة التنافر السلبيّ من أجل غد أجمل لكلّ المواطنين، نأمل في عيد العراقيّين أن تُنثر أنواع الورود والزهور، وأن تحلّق العصافير والطيور، وأن يعمّ الأمن والسرور. إنّ عيد الغرباء الحقيقي يوم عودتهم لوطنهم الحبيب، ولقاء أصفياء الروح والقلب والفكر... هناك حيث وطننا القريب البعيد: العراق.