19 سبتمبر 2025

تسجيل

إنسان «المول» والاحتفاء بالفرجة

01 يوليو 2019

قبل عدة سنوات لم يكن في الدوحة «مولات» سوى القديم الذي أنشئ على ما يبدو في أواخر السبعينيات، وكان حدثاً كبيراً في مجتمع لم يعتد على كل هذا التجمع في مكان محدود إلى جوار تنظيم واضح للسلع وللمطاعم أو الكفتريات داخله.  سمعت ساعتها عن زوار من المملكة العربية السعودية للتبضع فيه والتسوق في أرجائه، واستمر الحال على ذلك مدة طويلة حتى عهد قريب حينما انتشرت المولات وتكاثرت بشكل مشهود في أرجاء قطر.  لا يهمني كيف أنشأت ولمن؟ .. وهل هي فعلاً امتداد لاقتصاد حقيقي أم مشتقات وغسيل للأموال، من هنا وهناك مجهولة المصدر؟.  ما يهمني أثرها الاجتماعي على المجتمع وهنا لي بعض الملاحظات لعلي أبديها.. أولاً: المولات تندرج تحت ما يسمى باقتصاديات الحجم واقتصاد الحجم يحتمل التبضع والفرجة؛ بل إن الفرجة والتعود على مكانها نوع من التسويق السيكولوجي للفرد؛ فتنطبع الأشياء في ذاكرته ليعود فيشتريها في وقت ما. لذلك أصبح هناك ما يشار إليه بإنسان المول بحيث إذا ذكرت مولاً معيناً تبادر إلى ذهنك تواجده. ثانياً: لست أدري إذا كان لها أثر على قضاء الفرد في بيته نسبة أقل من الساعات؛ كما كان قبل وجودها، ولكن المؤشرات تدل على ذلك، فبالتالي لها تأثير غير مباشر على الأسرة. ثالثاً: تبدو مكان لرؤية مؤشرات اجتماعية مهمة في المجتمع منها الزي واللبس فيمكن مثلاً معرفة الموضة السائدة للعبايات النسائية من خلال التجوال في المول، كذلك ممكن من خلالها الإتيان بانطباع عن نسبة الأجانب وجنسياتهم في البلد. رابعاً: يمكن ملاحظة العديد من السلوكيات الجديدة وربما الغريبة على المجتمع من زيارة المول أو عدد من المولات، مثل البشاعة في المظهر بشكل لافت أو التطرف في استخدام الموضة، أو إيجابياً ممارسة رياضة المشي المكيف للعديد من الناس خاصة في الطقس الحار. خامساً: ظهور الشللية الاجتماعية بصورة أكبر، فدائماً تجد مجموعة من الأصدقاء في مكان معين في وقت معين من الأسبوع، ولكنها عفوية وبلا - طبعاً- برامج، مقارنة بما عرف عن بعض المقاهي في بعض الدول من كونها أشبه بتجمع ثقافي فلسفي بين شيخ ومريديه. سادساً: تبقى الفرجة هي النشاط المشترك للجميع، بل يبدو وجود أو كثرة هذه المولات في بلد صغير كقطر ضغطا على الفرد وعلى الأسرة لأنه من السهولة بمكان التحول من نشاط الفرجة إلى التسوق اللامبرر أو الزائد عن الحاجة. سابعاً: هي أشبه بأجهزة الصراف الآلي المتوفرة في كل مكان والتي تدعوك للسحب بينما كان الشيك سابقاً له وقت محدد لصرفه ولحاجته، بمعنى أنها نمط استهلاكي مغر يصعب مقاومته. ثامناً: تحل المولات شيئاً فشيئاً محل ثقافة «الفريج» المندثرة فأهل كل منطقة عادة ما يأتون إلى الأقرب منها اليهم ولكن ليس بشروطهم كما الحال في «الفريج» وإنما بشروطها»المولات» فتحدث التغيير فيهم ولا يستطيعوا التغيير في نمطها أو أسلوب الخدمة فيها سواء كان تسوقاً أو تجولاً وحركة. تاسعاً: إذا زاد عدد المولات بالتناسب مع عدد السكان اختل الجانب التقليدي «التقاليد» والطابع الاجتماعي المميز للبلد والمجتمع، حيث قد تشكل الكتل الموجودة داخل هذه المولات أنماطاً سلوكية لا علاقة لها بالمجتمع؛ تفرض مع الوقت وجودها وحضورها. عاشراً: إنسان المول غير نشط كإنسان الأسواق السابقة «الشبرات مثلا» الذي كان يأتي مباشرة ليشترى ويذهب أدراجه؛ فإنسان المول يمعن النظر ساعات في كل شىء حوله من بشر ومن حجر قبل أن يمد يده ليشتري الحاجة التي أتى لشرائها. أحد عشر: كنت أتمنى أن يكون التحول إنتاجياً قبل أن يكون استهلاكياً بمعنى إنشاء قاعدة إنتاجية تستوعب إنسان المول ولاتستهلكه كنت أتمنى أن يكون أداة إنتاجية لا بعداً استهلاكياً. إنسان المول» يمثل جميع شرائح المجتمع من الجنسين كنت أتمنى تنمية تستثمره في جميع مراحل حياته قبل الشروع في وضعه في قفص الاستهلاك الذهبي الدائري المريح. اثنا عشر: كثير من مرتادي المولات من المثقفين بودي لو كانت هناك مولات ثقافية دائمة تنفق على مستهلكها ثقافيا كمؤسسات المجتمع المدني بأشكالها؛ لعل ذلك هو الحل الوحيد لجذب إنسان المول ذي البذرة الثقافية وما أكثرهم من طاولة الفرجة في أحد مقاهى المول» إلى جمعية ثقافية مرخصة تقلل من استهلاكه المادي وتزيد من دافعيته الإنتاجية في المجتمع وبذلك لايقع فريسة للتاجر المادي وهو التاجر الثقافي الذي يحمل مخزوناً ثقافياً ربما يزيد ثروة عن الآخر المادي. على كل حال : المول مكان لا غنى عنه اليوم للتسوق هذا صحيح ولكنه في نفس الوقت يمكن المساعدة في فرز المتسوقين والاستفادة من طاقاتهم، فبين متسوق الحاجة ومتسوق الفرجة بون شاسع؛ فالأول جاءت به الحاجة أما الثاني فجاء به الفراغ والتقاعد المبكر وقصور المجتمع الثقافي.   [email protected]