14 سبتمبر 2025

تسجيل

ذكرى الأزمة العالمية والاقتصاد الأخلاقي

01 يوليو 2018

علم الاقتصاد يجب أن يعود لجذوره  بالتزامن مع مرور الذكرى العاشرة على نشوب الأزمة المالية العالمية، وفي حين تتجه الأنظار إلى الحروب التجارية المتبادلة بين الدول الكبرى، تسعى المنظمات الدولية إلى جلب الانتباه بأن العالم لا يزال بحاجة إلى معالجات أكثر حكمة وحصافة تؤسس لاقتصاد عالمي أكثر أخلاقية واحتوائية، لكون المعالجات التي تم اتخاذها لمواجهة الأزمة كانت موجهة بالأكثر نحو خدمة النخبة المالية.   وتفيد دراسة لأحد المصارف العالمية بأن ما بات يثير حفيظة المستثمرين، أن المساهمات الحكومية الضخمة التي أفضت إلى صمود النظام المالي للنخبة في وجه الأزمة اقتُطعت من أموال دافعي الضرائب. ويوجد وجه آخر لما يمكن المعالجات اللأخلاقية للأزمة. فهي بعد أن خلّفت تحديات مؤلمة لاقتصاديات الدول المتقدمة، دفعتها إلى تنفيذ برامج التيسير الكمي لضخ سيولة جديدة في الأسواق. وشجّعت هذه الإجراءات مؤسسات القطاع الخاص على الاقتراض حتى بلغت حصتها نحو 70 في المائة من حجم الدَيْن العام، أي ما يعادل أكثر من 100 تريليون دولار. لكن لم ينحصر تدفق هذه الأموال الرخيصة إلى أسواق المال في الدول المتقدمة فقط، بل دخل قسم كبير منها إلى أسواق الدول النامية. ومن الإحصاءات الخطيرة التي تشير إلى تفاقم الخطر الأخلاقي لهذه المعالجات، ما تظهره بعض البيانات من ضخ الاحتياطي الفيدرالي وبنك انكلترا المركزي والمصرف المركزي الأوروبي أموالاً رخيصة للأسواق المالية في بلدانها، ما دفع بتدفق نحو 9.8 تريليون دولار خلال السنوات الماضية في اتجاه دول في أميركا اللاتينية وأفريقيا على شكل قروض وسندات، منها 7 تريليونات دولار إلى الأسواق النامية مستغلين حاجة هذه الدولة الملحة إلى الأموال، والتي تسعى إلى تجميل صورتها الاقتصادية للحصول على هذه الأموال. وهذا أيضاً قد يؤدي إلى نتائج وخيمة، حيث يتم الحصول على هذا التمويل بالدولار الأميركي، ثم يُحوّل إلى العملات المحلية لاستخدامها. ومع ارتفاع الدولار اليوم، وارتفاع سعر الفائدة الأمريكية سيرتفع الحجم الحقيقي لهذه الديون ونسب خدمتها، ما يجعل هذه الدول في وضع يصعب عليها إعادة تسديدها. وهذا يهدد بنقل الأزمة إلى هذه الدول خلال المرحلة المقبلة. في الذكرى العاشرة للأزمة العالمية يقول صندوق النقد الدولي في دراسة له أن النمــوذج الاقتصــادي الســائد يواجه أزمـة تتعلـق بالشـرعية. وثمـة أبعـاد عديـدة لهـذا الفشـل وهو تزايـد عـدم المسـاواة وانعـدام الأمـن الاقتصـادي والذكريـات المؤلمـة التـي خلفتهـا الأزمـة المالية العالميـة والحصانـة التـي يتمتـع بهـا المتسـببون فيهـا، ونمـط العولمـة الـذي ينظـر إليـه علـى أنـه يعـود بالنفـع الأكبـر علـى الشـركات الكبيـرة والنخبـة المالية. وجميـع هـذه الأخطـاء تـؤدي إلى زعزعـة الثقـة في المؤسسـات المالية العالميـة. ونجد في أهداف التنمية المسـتدامة السـبعة عشـر التي أقرتها 193 بلـدا في عـام 2015 تحـت رعايـة الأمم المتحـدة اسـتجابة لهـذه التحديـات. وتقـوم هـذه الأهـداف علـى فكـرة مفادهـا أن التقـدم الاقتصـادي لم يعـد بالإمـكان تقييمـه دون مراعـاة الاحتـواء الاجتماعـي والاسـتدامة البيئيـة. وتنطـوي هـذه الفكـرة علـى فكـرة أخـرى، وهـي أن الأسـواق وحدهـا لا يمكنهـا حـل هـذه المشـكلات التـي تتطلـب تعـاون جميـع البلـدان علـى المسـتوى العالمـي والشـركاء الاجتماعييـن علـى المسـتوى المحلي. ويتطلـب هـذا التحـول بـدوره إعـادة التفكيـر بشـكل جـاد في الأسس الأخلاقيـة للاقتصـاد الحديـث من خلال تركيـز عمليـة صنـع السياسـات مجـددا علـى مفهـوم المصلحـة العامـة، وأن نعـاود تدريـس الأخلاقيـات كجـزء مـن برامـج الاقتصـاد وإدارة الأعمـال. فقـد نشـأ علـم الاقتصـاد كفـرع جانبـي للفلسـفة الأخلاقيـة، ويجـب أن يعـود إلى جـذوره.