13 سبتمبر 2025

تسجيل

قطر تحاصر الإمارات وتغيّر موازين الأزمة

01 يوليو 2018

موقف قطر أمام محكمة العدل الدولية انتصار للعدالة وللحق وللضحايا ربما لم يكن يخطر ببال دول الحصار، وهي تخطط لفرض حصارها الجائر وغير القانوني على دولة قطر أن تنقلب هذه المؤامرة عليها وتصبح واحدة من أسوأ كوابيسها على الإطلاق. كانت دول الحصار، وفي مقدمتها دولة الإمارات تظن، وبعض الظن إثم، أنها أحكمت خيوط لعبتها، وأنه لن تمر سوى عدة أيام أو بضعة أسابيع، في أضعف التقديرات، حتى تقطف ثمار مؤامراتها على دولة قطر. لكن، ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، إذ لم يكد يمر وقت قليل، على إعلان وتنفيذ تلك الإجراءات والتدابير غير القانونية والأخلاقية، حتى انقلب السحر على الساحر، وباتت قطر في موقع المهاجم لا المدافع.. وأصبح المحاصر هو المحاصر. كانت الحكمة القطرية الغائبة عن دول الحصار ومنطق العقل والهدوء في التعامل مع الأزمة المفاجئة، صاعقا على تلك الدول، التي وجدت نفسها تلهث وفي حالة دفاع وتبرير مستمر أمام دولة قطر التي تصدت ببراعة للمؤامرة منذ اللحظات الأولى، ووسيلتها وسلاحها الأقوى في ذلك كان هو الحق الذي إلى جانبها في مقابل الافتراءات والأباطيل التي لا تقف على ساقين ولا يسندها دليل ولا برهان. على المستويات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والقانونية، تحرّكت دولة قطر، بعزم لا يلين، مسنودة بقوة الحق والقانون، لتواجه تلك المؤامرة التي كان هدفها الدنىء هو تقويض سيادة الدولة من خلال التدخل في الشؤون الداخلية لقطر ومحاولة فرض وإملاء سياساتها على دولة قطر. وعلى كل تلك المستويات، ظلت قطر تحقق إنجازا تلو إنجاز، ابتداء من هزيمة الحصار الاقتصادي، إلى تعزيز وتوسيع نطاق علاقاتها الاستراتيجية مع جميع الدول والقوى المؤثرة في العالم، وهزيمة ادعاءات دول الحصار، حتى لا تكاد توجد دولة واحدة ذات تأثير في العالم لا تساند الموقف القطري القوي. لكن وسيلة قطر الأقوى في مواجهة وهزيمة دول الحصار، كانت في جعل اللجوء للقانون والمنظمات الدولية هو الركيزة الأساسية لمساعيها ليس فقط لمواجهة حملة التآمر المنسقة من هذه الدول، وإنما لجعلها تدفع ثمن مؤامراتها ومغامراتها الطائشة وانتهاكاتها للقانون الدولي. وفي هذا السياق جاءت الدعاوى التي رفعتها دولة قطر أمام منظمة الطيران الدولية (ايكاو) وأمام منظمة التجارة العالمية، وأخيرا أمام محكمة العدل الدولية. وقد كشفت جلسات الاستماع العامة التي عقدتها محكمة العدل الدولية للنظر في الدعوى المقدمة من دولة قطر ضد دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن انتهاك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، خلال أيام الأربعاء والخميس والجمعة الماضية، قوة الحق في مواجهة الباطل. كانت جلسات المرافعات أمام محكمة العدل الدولية، بشهادة القضاة والمحامين الدوليين الذين تابعوا القضية لحظة بلحظة، انتصارا باهرا للحق القطري، وهزيمة ماحقة لدولة الامارات، حتى قبل أن يصدر الحكم النهائي في القضية. وهو في المقام الأول انتصار للضحايا الذين انتهكت حقوقهم بشكل وحشي وتضرروا من تلك التدابير التمييزية التي قامت بتنفيذها دولة الامارات، سواء كان ذلك يتعلق بتشتيت الأسر أو حرمان الطلاب من التعليم، أو العمل أو الإضرار بالممتلكات وغيرها، لقد قدم فريق الادعاء القطري برئاسة الدكتور محمد عبد العزيز الخليفي قضية متكاملة الأركان، بالأدلة والبراهين الدامغة التي أوصلت إلى يقين المحكمة، ليس مجرد حدوث التمييز ووقوع الضرر على القطريين بسبب الإجراءات التعسفية التي اتخذتها أبوظبي في حقهم وبدأت بالطرد الجماعي وحسب، بل واستمرار هذا الضرر حتى اليوم، مع وجود النية المبيتة من جانب الامارات لاضطهاد القطريين وانتهاك حقوقهم التي كفلها القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة، وبالأخص انتهاك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. كانت الأدلة والمستندات القطرية، أقوى من أن تدحضها دفوعات الفريق الإماراتي الهزيلة والمراوغة، إذ أنها تشمل، من بين ما تشمل، "ملفات الضحايا" وشكاواهم الموثقة أمام اللجنة الوطنية لحقوق الانسان في قطر، وأمام المنظمات الأممية الدولية المعتمدة والموثوق فيها، فضلا عن البيانات الصادرة من السلطات الاماراتية نفسها والمنشورة في وسائل إعلامها الحكومية. وليس من برهان أقوى من "الاعتراف" الذي يعتبر سيد الأدلة. وفي مقابل ذلك، يبدو موقف هيئة الدفاع عن الامارات التي لم تفشل فقط في الرد على أركان الدعوى القطرية القوية، بل وفشلت حتى في إقناع المحكمة والقانونيين بأن ما تقدمه كان دفاعا، لأن كثيرا من تناقضات حججهم كانت دعما لهيئة الادعاء القطرية، حتى إن بعض القانونيين الدوليين اعتبروا أن فريق الدفاع عن الامارات استنزف قرابة أربع ساعات من وقت المحكمة في المراوغة والدوران، بعيدا عن أصل الدعوى، مما يعبر عن "إفلاس قانوني" وعجز بيّن عن تبرير الانتهاكات الإماراتية للقانون الدولي. لكن فشل فريق الدفاع الإماراتي، تجلى للجميع عندما وقف عاجزا عن الرد على ثلاثة أسئلة بسيطة قدمها قضاة محكمة العدل وتمثل جوهر القضية، إذ سأل القضاة فريق الدفاع عن: "ماذا كانت تقصد السلطات الإماراتية بمغادرة القطريين خلال 14 يوماً؟ و"أليس الطرد الجماعي على أساس الجنسية؟، وإذا كان هذا غير صحيح، فما هي القرارات أو الإجراءات الرسمية "المعلنة" التي تنفي هذا؟. إن أهمية انتصار قطر على الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، يأتي من كونه انتصارا للعدالة وللحق وللضحايا الذين تضرروا من الإجراءات التعسفية من نظام أبوظبي الذي شتت العائلات والأسر وضرب النسيج الاجتماعي لشعوب الخليج. لكن النتيجة الأبرز، لما حدث أمام محكمة العدل الدولية، خلال الأيام القليلة الماضية، هي أن دولة قطر بقوة الحق والموقف حاصرت الإمارات، وغيرت موازين الأزمة لصالحها.