13 سبتمبر 2025

تسجيل

(شريفة)

01 يونيو 2022

لم تكن جدتي اعتيادية، فالصمت يلازمها كثيراً وإذا ما تكلمت فاض كأس الحكمة يروي مسامع الحاضرين. كانت الصلاة بالنسبة لها احتفالا روحيا تهيئ له المكان قبل موعد الأذان بنصف ساعة. تغتسل بسطل الماء الدافئ الذي اعدته لها اختها. حتى أسنانها الاصطناعية كانت تنقع في ماء وتفرك تهيئة للذكر، وضوؤها لم يكن صامتا، فكانت تتمتم وتهمس لنفسها معظمة لرب الشعائر. كان ابن أخيها الواعظ والمرشد يذكرها بزيارة كل جمعة يروي عطشها من بحر علمه في الفقه والعقيدة والسيرة، فهي من الأجيال التي حرمت من التعليم إلا من كتاتيب الزمن الغابر، فكان ابن اخيها بمثابة المكتبة المتنقلة التي تسرد لها ما تشربته من علم وثقافة، فكانت هذي الحلقات تعزز وترسخ من مواقفها الدينية، كانت سبحتها تلازمها أينما حلت وارتحلت فكانت تلك الأنامل المتهالكة تجر خرزة تلو الاخرى مغردة بالتسابيح والتهاليل متنهدة بالاستغفار وبمناداة الجليل الغفار. كالغمـــام تبطي في سيرها كلما أقبلت اهتزت من تحت الأرض وربت تبشر الظمــآن بعذب الرواء وتبلل عروق الصائمين إذا ما امطرت تؤنس القلوب بحلو حديثـها وتنشر الإيمان صمتاً أو إذا ما تكلمت تعزف الألحان بلآلئ سبحتها "سبحان الله" كلما غربت شمس وأشرقت الليل لا نعرف ظلمته فهي كبدر أضاء الدار بأنس وجودها فتفردت شمس الضحى تصاحبها خلوة وقيام الليل رفيقها خير ما اصطفت ومؤذن الفجر يعلو في المنارة فتهرول للوضوء "حي على الصلاة" وكبرت تطرق اعتاب أبواب النائمين تذكرهم بجنان عدن ونعيمها فأوقضت يا عقد ياسمين طوقنا بحبه والقلوب من حوله تآلفت واستبشرت ومن طيب ريحه هبت نسائم الخير تنثر عبقاً للأرواح وبه تنفست وبرحيلك ذبلت حباته البيضاء اشتياقاً فتمزق العقد حزناً وتبعثرت يا خير النساء يا شريفة هذي أناملي في آخر بيت تودعك فقد اكتفت