14 سبتمبر 2025

تسجيل

خَشّنوا أبناءكم

01 يونيو 2021

قصص وعبر ودروس تناقلتها الأجيال بعد الأجيال عن صعوبة حياتهم وقساوتها وضيق حالها، من أجل توفير لقمة العيش والحياة الكريمة لأسرهم، ذاق الأجداد مرارتها وامتهنوا المهن الصعبة والتجارب الشاقة من أجل مكابدة صعوبة الحياة وضنكها، وكان الفتى ما أن يبلغ الحُلُم حتى يشارك أباه هذه المهام الصعبة بحماس ولهفة رغم صغر عمره وقلة قوته وخبرته في المهام التي سيعاون أباه في أدائها حتى يخفف عليه الحمل قدر المستطاع. حتى حدث ما لم يكن في حسبان تلك الأجيال عندما أفاء الله على تلك الدول الفقيرة في مواردها ليفجّر ثروات أرضها ويجعل شعوبها أغنى شعوب العالم، والخير يفيض عليها من كل حدب وصوب، ومن كانوا يبحثون عندهم عن العمل ولقمة العيش صاروا يعملون لديهم ويأتمرون بأمرهم، فسبحان من بيده الخير كله يهديه لمن يشاء وينزعه ممن يشاء ويعز به من يشاء ويذل به من يشاء. ولا شك أن العاقل يعي تماماً أن هذه النعم ليست دائمة وإنما زائلة، وعلى العبد استدراك ذلك والشكر الدائم للخالق عليها حتى يبارك الله له فيها ويزيده من فضله، ولا شك أيضاً أن الرفاهية التي واكبت هذه الطفرة أفرزت عادات وسلوكيات لم تكن موجودة في زمن أجدادنا عندما كانوا يُكابدون صعوبة الحصول على رزقهم، فالاتكالية وعدم الاعتماد على النفس والإفراط في توفير كل الاحتياجات للأبناء وما تخللها من تطور في التكنولوجيا الحديثة أفسدت نوعاً ما طبيعته التي خلقه الله عليها، حتى وصل به الأمر أن يميل للنعومة بدلاً من الخشونة، والسبب هو الإفراط في تدليل الولد وتولي الأم لمهمة تربية هذا الولد بعيداً عن مراقبة الأب!. يذكر لي أحد الأصدقاء أنه سجّل أبناءه في إحدى المدارس الخاصة رغبة منه في أن يُقوّيهم في اللغات الأجنبية، ولأنه كان مشغولاً عن أبنائه هو وزوجته لظروف أعمالهما فإنهما أوكلا مهام مراقبتهم طوال الوقت للمربيات، يقول هذا الأب: لاحظت تغير سلوك أبنائي وأيقنت أنني ووالدتهم أهملناهم كثيراً، بل إنني وأثناء اصطحابي لهم لمدرستهم لاحظت أن من يزاملونهم من الطلاب أشبه بالإناث شكلاً وسلوكاً، وعلى الفور كان قراري الأول التفرغ لهم وتغيير بيئة البيت والمدرسة حتى لا يحدث لهم ما قد أندم عليه طوال العمر، وقمت بإشراكهم في الأنشطة التي تعزز فيهم مظاهر الرجولة كركوب الخيل والرماية والحضور الدائم لمجالس الرجال، التي علمتنا الكثير من العبر والدروس عندما كنّا بأعمارهم، يقول هذا الأب: لاحظت أن سلوك أبنائي تغيّر كثيراً، وأن الحالة التي كانوا عليها استطعنا التغلّب عليها وإعادتهم إلى طبيعتهم كفتيان يعيشون حياة الخشونة والمراهقة الطبيعية التي كناّ نحن نعيشها قبل أن تطغى علينا حياة الرفاهية والتطور السريع. ومن هنا لزاماً على أولياء الأمور ألا يتجاهلوا تفاصيل حياة أبنائهم منذ الصغر وعدم تركهم لوحدهم يُجابهون ظروف الحياة ورتمها السريع وإدخال الغرباء كالخدم في تربيتهم، علموهم أن طبيعة الرجل تختلف عن طبيعة الفتاة، وأنه خُلق من أجل إتمام المهام الصعبة وأن الرجل الذي يُشعر من حوله برجولته وخشونته هو من يُعوّل عليه، علموهم سيرة أبطال الأمة الذين غيّروا التاريخ وصنعوا الأمجاد في أعمار مبكّرة، وما زال أثرها باقٍ حتى وقتنا الحاضر، علموهم أن بعض مشاهير التواصل الاجتماعي التافهين ليسوا بقدوات وإنما هم فقاعات صابون سرعان ما تنتهي وتزول، وينبغي ألا يُقلدوهم لأنهم ليسوا إلا ظاهرة مؤقتة وستنجلي. فاصلة أخيرة ظاهرة بدأت تزداد في الآونة الأخيرة من خلال ظهور بعض من يُسمّون أنفسهم بمشاهير في السوشيال ميديا بدت عليهم الميوعة وتقليد سلوكيات وطبيعة الفتيات ويحاولون أن يُلقوا قبولاً واستحساناً لدى متابعيهم، هؤلاء يجب الحذر منهم وإيقافهم عند حدّهم حتى نقي أبناءنا من شرورهم. ‏[email protected]