28 أكتوبر 2025

تسجيل

سقطات إعلام رسمي يعيش أشد لحظاته بؤسا

01 يونيو 2011

يبدو أن الإعلام السوري يعيش أشد لحظاته بؤسا.. والسبب بمنتهى البساطة أنه يحاول قلب الحقائق الواضحة، بأسلوب دعائي فج يصل حد الوقاحة، مشوها صورة انتفاضة شعب خرج في الشوارع والساحات والأزقة يهتف لحريته المسلوبة ويطالب بكرامته المفقودة، فيدافع الإعلام عن الجلاد الذي يواجه المحتجين السلميين بالرصاص الحي، ويحاصر المدن الثائرة بالدبابات ويمنع عنها الماء والغذاء، ويعتقل ويمارس أقسى صنوف التعذيب بحق معارضيه الذين ضاقت بهم السجون والمعتقلات. إعلام ما زال يعيش بعقلية " لا أريكم إلا ما أرى " ويريد من العالم بأسره ـ وليس السوريين فقط ـ أن يصدق روايته فقط ـ بغض النظر عن فبركاتها ـ، ويكذّب الصور الحيّة في عهد الاتصال المباشر والإنترنت والإعلام الجديد والذي صار بمقدور أي شخص فيه ـ وليس الصحافي ـ وبمنتهى السهولة أن ينقل الوقائع التي تحدث على الأرض للعالم فورا، ويحرز سبقا في ذلك. سقط إعلام النظام من اللحظة الأولى لاندلاع الاحتجاجات لأنه منعَ ـ وما يزال ـ مراسلي الفضائيات ووكالات الأنباء العربية والدولية من الوصول لميادين الاحتجاج ومقابلة المتظاهرين، وحجبَ عدساتهم التي يمكنها تصوير المشاهد العنيفة لأجهزة أمنه وهي تتصدى للجماهير المنتفضة، وبالتالي نقل الرواية الأمينة للأحداث إلى العالم. كما سقط منذ بدء المظاهرات عندما عزل شخصيات إعلامية تمثل جهازه الرسمي لمجرد أنها قالت جملة خارج سياق نص مطبخه الدعائي كرئيسة تحرير صحيفة تشرين سميرة المسالمة التي كانت كل جريرتها أنها طالبت أجهزة الأمن بالقبض على "العصابات السلفية المسلحة" التي ادعت الأجهزة أنها هي من تتسبب بمقتل المدنيين. في لحظات الأزمات يفترض بإعلام المؤسسات والأنظمة أن يكون أكثر صدقا وشفافية، لأن أي خطأ أو كذب أو التفات على الحقائق والوقائع الصحيحة أو دعاية تأتي بمفعول عكسي، لكن مشكلة الناطقين الإعلاميين المكلفين من النظام السوري بالظهور على الفضائيات العربية والدولية والذين لا يزالون يعيشون بعقلية إعلام الحزب الواحد، خارج حدود الزمان الذين هم فيه، يعتقدون أن بإمكان إجادتهم لفن الفبركات والبلاغة الدعائية وسلاطة اللسان إقناع الناس، بينما هم في حقيقة الأمر يزيدون من قتامة صورة النظام وعزلته وانفضاض الناس من حوله. سقطات الإعلام الرسمي والناطقين والمدافعين عنه من الكتاب والباحثين كثيرة.. نكتفي بالإشارة إلى بعضها للتدليل، ليس إلا: ـ عندما عزلت سميرة المسالمة ظهر من يتحدث منهم بأن: (إقالة المسالمة يثبت أن قطار الإصلاح قد بدأ في سوريا فعلا)، بينما هي صرحت بعظمة لسانها أنها عزلت بمكالمة من مسؤول أمني وليس من وزارة الإعلام. ـ تكذيب الصور ومنها قيام جنود بإهانة محتجين ببساطيرهم العسكرية بالبيضا، وقد قال أحدهم: إن الجيش والأمن لايمكن أن يهينا شعبه، وهو مستعد للاعتذار إذا ثبت غير ذلك، وأكد أن هذه الصورة جاءت من العراق وأن أولئك المجرمين هم من رجال البشمركة. وما هي إلا ساعات حتى ثبت قطعيا أن الصور صحيحة ومن البيضا التابعة لمدينة بانياس بالفعل، وحينما ظهرت صور أخرى لجنود مسلحين يضربون مدنيين ويطلقون الرصاص عليهم لم يتورع أحدهم عن الحديث بإمكانية فبركة مثل هذه الصور، فيما اكتفى آخر بمطالبة لجان التحقيق بفتح تحقيق بشأنها، إن ثبت أنها صحيحة، في محاولة منه للهروب نحو الأمام. ـ التأكيد على أن رقعة المظاهرات والاحتجاجات ستتقلص أو تقلصت مع تدخل الجيش، وعندما تواصلت هذه الاحتجاجات وازدادت كمّا واتسعت امتدادا جغرافيا، لجأ هذا الإعلام إلى التهوين من أعدادها، في مقارنة سقيمة بالعدد الكلي للمواطنين السوريين، منوها بأن هناك " أغلبية صامتة" لا تتظاهر، بينما حقيقة الأمر أن هذه الأغلبية والتي لم تتظاهر بعد يمكن إدراجها ضمن مصطلح " الأغلبية الخائفة" بسبب بطش النظام بحسب الكاتب الأردني ياسر الزعاترة. ـ الادعاء بأن الجيش دخل المدن كدرعا وبانياس بناء على طلب مواطنيها لتخليصهم من متطرفي هذه المناطق، بينما كان رد أهلها ببيانات تكذّب ذلك وتنفي وجود التطرف وتطلب من الجيش بدلا من ذلك التوجّه إلى الجولان. ـ نعت المتظاهرين بمحدودي الثقافة والتعليم للتهوين من شرعية الثورة الشبابية، بينما الحقيقة أن هذا الكلام ليس سوى مزاعم غير صحيحة، لأن كثيرا من التظاهرات انطلقت من الجامعات كجامعتي حلب ودمشق، ومثل هذه الشرائح تشارك في تظاهرات المدن أيضا. ـ اتهام الفضائيات التي تنقل ما يحدث في سوريا كالجزيرة بالتحريض وإثارة الفتن والاشتراك في المؤامرات الغربية ضد سوريا كدولة ممانعة بينما تقوم هذه الفضائيات بواجبها المهني والأخلاقي تجاه كل الثورات العربية ـ وما تزال ـ بدءا من تونس. ويضاف إلى مآزق هذا الإعلام التعامل الأمني السيئ من المراسلين العرب والأجانب الذين تم توقيف واعتقال عدد منهم بسبب تغطياتهم الخبرية، وشهاداتهم على تعذيبهم أو التضييق عليهم، فضلا عن سرد فظائع ما يلاقيه المحتجون السلميون في السجون السورية.