11 سبتمبر 2025
تسجيل«في الطريق إلى هناك، أوافيكم بخبر فور اتضاح الصورة.» ومن مخيم جنين للاجئين كان الخبر الصاعقة فجر الأربعاء 11 مايو ٢٠٢٢ أثناء تغطيتها اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي فكانت هي الخبر حتّى ارتقت... شيرين أبو عاقلة...!!! السترة الواقية press الخوذة الصحفية تشير بشكل واضح إلى كينونتها رصاصة مصوبة من مكان قوات الاحتلال باتجاه منتج الجزيرة علي السمودي أصابته في كتفه ورصاصة أخرى استهدفت الحقيقة وصاحبتها. كانت تلك رسالتها الأخيرة من الدنيا، ثم توالت الصواعق تترا... وكم صحفي كتمت رسالته قبل أن يدكّ منزله على رأسه ورؤوس أهله في حرب غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي دون أدنى إنذار، وهل ينذر المستهدفون في الحروب؟ وهل ينذر البهتان الحقيقة؟ إنّه يباغتها... وماذا بعد شيرين؟ العديد فقد تتبع وائل الدحدوح عددا من المرّات برصاص مصوب وعدد من الصحفيين قبله وبعده ومن ثم تمّ تتبع عائلته رحم الله من ارتقى منهم في تلك المجازر الظالمة وتم تعمدّ نجله الصحفي أيضا حمزة الدحدوح وصحفي آخر معه في قصف إسرائيلي مباشر على سيارتهم حتى ارتقوا بعد أسابيع من استشهاد أفراد عائلته! ودعنا الكثير بدموع لم تغادرنا إلى يومنا هذا. ثم ماذا بعد قطع حبل الوريد! بل قبله أيضا؟ قطع الوريد الكهروضوئي أعني الاتصالات والإنترنت وهو بوابة الوصول للعالم الخارجي. ومن ينقل الحقيقة وما فتئت تقتل أدواتها وتوجّه روايتها؟ وتوأد بناتها وأدواتها؟ وما هي الحقيقة في الصحافة والاعلام وما تعريفها؟ لعلّها أكثر ما يرعب المعتدين لذلك دائما ما تتردد في أروقة الإعلام أن «الحقيقة هي أول ضحايا الحرب» خصوصا أن الحقيقة اليوم لم تعد محتكرة، فالحقيقة لم تعد فقط هي المعلومة بل لم تعد هي الرسالة فحسب، بل باتت هي الأداة والوسيلة ومن يحملها أيضا حقيقة تكشفها منصّات حيّة باتت في يد كلّ صحفي بما أتاحته التطورات الرقمية لذلك فعرقلة الصحفيين واتهامهم واحتجازهم بل قتلهم المباشر والمتعمّد وقصف مكاتب الإعلام وتضليل الحقائق ومنع مراسلي الوكالات الدولية من دخول ميادين الحرب والنزاع وتعتيم غيرها والتضليل الإعلامي وإغلاق بعض المنصات يعد أول وأهم أدوات المعركة قبل الميدان العسكري. ولا زال العالم في الثالث من مايو من كلّ عام يحتفل بيوم الصحافة العالمي، وتقف منظمات المجتمع المدني والمراكز الصحفية والحقوقيّة بواجبها في تكريم أو قل تأبين أمام هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والشعوب بهدف إبراز دورها في تعزيز وحماية حقوق الصحفيين وحرياتهم العامة والتذكير بإنسانيتهم أمام بطش آلة الحرب والنزاع تحت مظلّة المجتمع الدولي الذي تتحكّم فيه منظمة أمم متحدة أقصد متخاذلة كاذبة ومجلس أمن غاشم غير آمن. وتطالب المنظمات الحقوقية بوضع تعريف دقيق للصحفي في القوانين الدولية ؟ ووضع عقوبات للتهديد المباشر له فما بالنا بجريمة قتله. إنّ استهداف الصحفيين بالصورة البشعة التي شهدتها غزة ضرب لعين العالم وترك الساحة للإجرام الصهيوني ومن يدعمه للتحكّم في الرواية والحقيقة وشهودها وإمكانية اثباتها. خصوصا في ظل هذا العام الذي يعدّ عاما أسود على الصحافة والأسوأ على الإطلاق في تاريخ البشرية إذ لم يبق خطر مهنة الحقيقة رهنا على تصفية الصحفي نفسه بل على تصفية كل أهله في تتبع متعمّد حتّى وهم نائمون بشكل لم نجد لها مثيلا ولا شبيها ولم تشهده أي حرب سبقت لا الحربان العالميتان ولا فيتنام ولا البوسنة ولا العراق هذا وقد تعرض الصحفيون الفلسطينيون الذين بقوا على قيد الحياة للهجمات الإلكترونية والاعتقالات والاعتداءات والتهديدات والاحتجاز بموجب «الاعتقال الإداري» الذي يعطى الجيش الإسرائيلي فيها نفسه الحق باحتجازهم دون محاكمة أو حد زمني. وما موقف منظمات الأمم المتّحدة؟ هي وأربابها؟ منظمة الأمم المتحدة تهرف بأن» الحق في الحصول على المعلومات في أوقات النزاع، يعد «حقًا من حقوق البقاء» إذ تعتمد عليه حياة المدنيين، وتثمن دور الصحفيين كمصدر حيوي للمعلومات وكمدافعين عن حقوق الإنسان وشهود على الفظائع”. هذا ونسيت الأمم ان تضيف أنهم مدنيون أيضا. ثمّ ماذا؟ ما فتئت تكرر الشعور ببالغ القلق والتوتر إزاء تواتر أعمال العنف ضد الصحفيين خصوصا في ظل الاستهداف المباشر الذي يشكل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني. ثم ماذا؟ إنهم يقولون ما لا يفعلون فيداوون الشعوب بأفيون الكلام وما هو إلا مسكّنات للقلق... وهلّم جرّا.. وعود على بدء... رغم إقرارها بأن « قتل الصحفيين هي جرائم حرب.» ومثلها اللجان الدولية ومنظمات حقوق الإنسان أو العدل او الجنائية تؤكد: «أنّ الهجمات على وسائل الإعلام والتعمد المباشر لقتل الصحفيين في غزة والقيود المفروضة على الآخرين من الوصول للمعلومة، إلى جانب الانقطاعات الشديدة للإنترنت، تشكل عوائق رئيسية أمام حق الحصول على المعلومات لشعب غزة وكذلك العالم الخارجي». ثم ماذا ؟ تكرر ذات الدرس المحفوظ... شعارات القلق في المحافل الدولية في كل 3 مايو من أعوام الصحافة غير الحرّة ضاربة القوانين الدولية عرض الحائط. لذلك لا تتكئوا على أكبر سياسي يردد كلمات حقوقية أو أكبر ديمقراطيات تتشّدق بها فهم أدهى جناة دون أن يتورعوا عن جرائم الحرب التي يرتكبونها ودون أن تحكم فيهم محكمة الجنايات الدولية، فما ينيف على السبعين عاما مضت على صدور القوانين الدولية لحماية الصحفيين في زمن السلم والحرب والنزاعات المسلّحة والتي لا داعي لسردها، فأكفان الحقيقة أوضح دليل على موت الضمير الإنساني العالمي والقانون الدولي الذي لا يحتاج وقفة في يوم الصحافة العالمي ولا حدادا على روحه بل ثورة شعبية عالميّة عارمة في المجال العام الواقعي ميدانيا والمجال العام الافتراضي على كلّ المنصّات الرقميّة لإيقاف شريعة الغاب ومحاسبة الجناة. فحرب استرجاع الحقيقة المغتصبة لن ينال إلا بارتفاع صوت الحقيقة لا الخنوع احتفالا أو تأبينا بيوم مصنوع هو ذاته من أدوات التخدير الأممي.