14 سبتمبر 2025

تسجيل

النفط والتقلبات الاقتصادية

01 مايو 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); إن التقلبات في النشاط الاقتصادي هي إحدى الظواهر الملازمة لاقتصاد السوق، حيث يمر بفترات من الانتعاش والركود وهو ما يطلق عليه في علم الاقتصاد بالدورة الاقتصادية. وتلجأ الدول بشكل عام إلى دراسة خصائص الدورة الاقتصادية لبلدانها بهدف التعرف عليها ومن ثم اتباع سياسات اقتصادية تهدف إلى الحد من آثارها السلبية على الاقتصادي الوطني. ويمكن القول إن الاقتصادات الخليجية هي نموذج لاقتصاد السوق التي تخضع لتقلبات اقتصادية حادة، كما يجري حاليا، بسبب تقلبات أسعار النفط، والتي بدورها تخضع لكثير من العوامل الخارجة عن نطاق سيطرة دول المجلس. مع ذلك فقلما نرى دراسات تجرى على مستوى المنطقة موجهة لقياس تأثيرات هذه التقلبات على النمو الاقتصادي بالضبط. وغالبا ما يترك للمؤسسات الدولية تقدير هذه التأثيرات والتي عادت ما يتم التحكم فيها لأغراض معينة.من بين هذه الدراسات الخليجية النادرة التي أجريت حول هذا الموضوع دراسة أجراها مركز البحرين للدراسات والبحوث قبل عدة سنوات حول الدورة الاقتصادية ودور سياسات الاستقرار في الدورة الاقتصادية غير النفطية. ورغم مضي سنوات على هذه الدراسة إلا أن العوامل الرئيسية المتعلقة بالتقلبات الاقتصادية وتأثيرها على النمو لا تزال قائمة وبالذات ما نشهده اليوم.وفيما يخص مصادر تقلبات الدورة الاقتصادية تحديدا، فإن الدراسة توضح أنها تعود بشكل رئيسي إلى التقلبات غير النفطية في المدى القصير "عام فأقل" بينما تتأثر بصورة أكبر بالتقلبات النفطية في المدى المتوسط والبعيد. ورغم الإنجازات العديدة لسياسة تنويع القاعدة الإنتاجية في تحفيز نسب النمو الاقتصادي، إلا أن هذا التأثير يتراجع وعلى نحو ملحوظ على مدى زمني معين ويعكس هذا التراجع ضعف ترابط القطاعات غير النفطية من جهة وضعف ترابطها الأمامي بالقطاع النفطي من جهة أخرى، مما يحد من ارتفاع مساهمة النشاط غير النفطي في تفسير تقلبات إجمالي الناتج المحلي. وتكشف هذه النتائج ضعف ترابط الأنشطة غير النفطية فيما بينها وفيما بينها وبين قطاع النفط، وهي ظاهرة مطلوب التغلب عليها من أصحاب القرار لضمان نجاح جهود التنويع الاقتصادي حيث يجب تحقيق الترابط الداخلي بين القطاعات المستهدفة.وتكشف الدراسة أيضا عن مدى حساسية وانكشاف الاقتصاد الوطني للصدمات النفطية وغير النفطية، حيث إن حساسية النشاط الاقتصادي البحريني للتقلبات تعكس عمق الترابط بين إجمالي الناتج المحلي والقطاع النفطي. إن تعرض إجمالي الناتج المحلي لصدمتين منفردتين نفطية (يعني ارتفاع أسعار النفط) وغير نفطية وبمقدار 5% ينجم عنهما ارتفاع إجمالي الناتج المحلي بمعدل 11.3% للصدمة النفطية و3.6% للصدمة غير النفطية على التوالي. ويلاحظ من ذلك ارتفاع معدل نمو إجمالي الناتج المحلي عند تعرضه لصدمة نفطية مقارنة بمعدل نموه عند تعرضه لصدمة غير نفطية. ومن هنا تبرز أهمية تعزيز نجاح سياسة تنويع القاعدة الإنتاجية لدول المجلس. فرغم الإنجازات العديدة لسياسة تنويع القاعدة الإنتاجية إلا أن مقدرة القطاعات غير النفطية على تفسير التقلبات في إجمالي الناتج المحلي اقتصرت على الفترة قصيرة المدى. ويتسم تأثيرها بالاتجاه نحو التراجع وبحدة خلال الفترة المتوسطة وبعيدة المدى. وتوضح الدراسة كذلك أن سياسة ترشيد الإنفاق الحكومي حالت دون انتقال آثار الصدمات النفطية إلى إجمالي الناتج المحلي غير النفطي. وبالتالي يتضح أن سياسة ترشيد الإنفاق "أي تحقيق كفاءة الإنفاق الحكومي" يمثل عاملا مهما للغاية في استقرار الدورة الاقتصادية غير النفطية. فهذا العامل له تأثير على مرحلتي الانتعاش والتراجع في الدورة الاقتصادية. بطبيعة الحال تستدعي هذه النتيجة الأخذ بسياسة ترشيد الإنفاق كعامل مهم لا تقل أهميته عن الإنفاق الحكومي ذاته في مرحلة الانتعاش الاقتصادي.وأخيرا، تبين الدراسة أن الإنفاق الحكومي بحد ذاته غير قادر على نقل النشاط الاقتصادي من مرحلة الركود إلى مرحلة الانتعاش. فإذا افترضنا أن السلطات المالية لا تعير كفاءة الإنفاق الحكومي "ترشيد الإنفاق" أي أهمية، فإن آثار ارتفاع الإنفاق الحكومي لوحده ستخفف من حدة ركود النشاط غير النفطي لتبلغ 1.2% في العام بدلا من 8.4%. أما في حال الأخذ بسياسة ترشيد الإنفاق، أي الاهتمام بكفاءة الإنفاق الحكومي، فإن ذلك سيعزز من مقدرة الاقتصاد على النمو وليبلغ 5.2% في العام. وهنا تكمن أهمية تركيز سياسة ترشيد الإنفاق لا على تقليص الإنفاق الحكومي في المطلق فحسب، بل على ضرورة زيادة القيمة المضافة لكل دينار ينفق. وهذا يقودنا للتأكيد على ضرورة قيام دول المجلس بتعزيز مقدرات الأجهزة والمؤسسات التي تسهم في تحسين كفاءة تخصيص الموارد المالية والمادية ورفع كفاءة استخدامها، وذلك من أجل رفع معدلات الإنتاجية المادية والبشرية ككل.