18 أكتوبر 2025
تسجيلالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه ولا حول ولا قوة إلا بالله وبعد فإن التفكير من أبرز الخصائص التي ميز الله تعالى بها الإنسان عن سائر المخلوقات ولا يخلو منه بشر في كافة أحواله وأحيانه . وأصل مشروعية التفكير حتى في الصلاة ما قد أمر الله تعالى به من التدبر والتأمل والتفكر فيما يتلي من آيات الله تعالى أثناء الصلاة قال تعالى "أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ" المؤمنون: 68، أَيْ: ألَمْ يَتَفَهَّمُوا مَا خُوطِبُوا بِهِ فِي الْقُرْآنِ "1[1]" كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ "2[2]" وَقَوْلُهُ تَعَالَى " يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا. إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا، إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وِطَاءً وَأَقْوَمُ قِيلًا" المزمل: 1 — 6." " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" محمد: (24) {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" النحل (44) هذه نصوص قرآنية داعية إلى التفكر والتدبر والتأمل، والْفرق بَين التفكر والتدبر: أَن التدبر تصرف الْقلب بِالنّظرِ فِي العواقب، والتفكر تصرف الْقلب بِالنّظرِ فِي الدَّلَائِل3[3] وها هو رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ - كما في صحيح البخاري كِتَاب الْأَذَانِ. باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَذَكَرَ حَاجَةً فَتَخَطَّاهُمْ.منْ حديث عُقْبَةَ بن عامر - رَضِيَ الله عنه - قَالَ صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ فَقَالَ ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ" وقد ذكر ابن حجر من فوائد هذا الحديث أن التفكر في الصلاة في أمر لا يتعلق بالصلاة لا يفسدها ولا ينقص من كمالها، وأن إنشاء العزم في أثناء الصلاة على الأمور الجائزة لا يضر، وعليه فالتفكر أمر غالب لا يمكن الاحتراز منه في الصلاة ولا في غيرها، ولكن يفترق الحال في ذلك، فإن كان في أمر الآخرة والدين كان أخف مما يكون في أمر الدنيا. هذا ما ورد عن صفوة الخلق صلوات الله وسلامه عليه في هذا الأمر وفى الصحيح "عَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ"4[4]وهذه آثار عن الخليفة الملهم المحدث الفاروق عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: إِنِّي لَأُجَهِّزُ جَيْشِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ" صحيح البخاري - معلقا - كتاب التهجد. باب يُفْكِرُ الرَّجُلُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ.وكل المكلفين - من رجال ونساء - في حكم ذلك التفكير سواء، وقول عمر هذا وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أبي عثمان النهدي عنه بهذا سواء، وهو أول أثر من الآثار الدالة على عدم ضرر التفكير وعدم تأثيره على صحة الصلاة ما استوفت الأركان والشروط والسنن والآدابوأثر آخر تورده كتب السنة عن الفاروق - رَضِيَ الله عنه - فقد روى ابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير قال: قال عمر " إني لأحسب جزية البحرين وأنا في الصلاة " وكم في ذلك الحساب من أعداد وأنواع فمن أهل الكتاب ممن يقطنون البحرين الموسر منهم والمعسر ومنهم بين ذلك ولكل قدر ونصيب في حساب جزيته لكن على أن يأتي على ما يريد في أقل شيء من الفكرة. فأما أن يُتابع التفكر ويُكثر حتى لا يدري كم صلى مما يُلبِّس عليه الشيطان مما يوجب عليه البناء على اليقين وهو الأقل ويكمل صلاته وسجد للسهو في آخر الصلاة.وأثر ثالث عن ثاني الخلفاء الراشدين - رَضِيَ الله عنهم - " وروى صالح بن أحمد بن حنبل في " كتاب المسائل " عن أبيه. أن عمر صلى المغرب فلم يقرأ، فلما انصرف قالوا: يا أمير المؤمنين إنك لم تقرأ، فقال: إني حدثت نفسي وأنا في الصلاة بعيرٍ جهزتها من المدينة حتى دخلت الشام، ثم أعاد وأعاد القراءة.ومن طريق عياض الأشعري قال " صلى عمر المغرب فلم يقرأ، فقال له أبو موسى: إنك لم تقرأ، فأقبل على عبد الرحمن بن عوف فقال: صدق، فأعاد. فلما فرغ قال: لا صلاة ليست فيها قراءة، إنما شغلني عير جهزتها إلى الشام فجعلت أتفكر فيها". وهذا يدل على أنه إنما أعاد لترك القراءة لا لكونه كان مستغرقا في الفكرة.ويؤيده ما روى الطحاوي عن عبد الرحمن بن حنظلة بن الراهب " إن عمر صلى المغرب فلم يقرأ في الركعة الأولى فلما كانت الثانية قرأ بفاتحة الكتاب مرتين فلما فرغ وسلم سجد سجدتي السهو " قال ابن حجر ورجال هذه الآثار ثقات، وهي محمولة على أحوال مختلفة. فمن أذهبَ التفكيرُ خشوعه فليكف عن ذلك أو ليقلل ما استطاع إلى ذلك سبيلا حتى لا يتخذها الشيطان مدخلا إليه فيلبس عليه حتى لا يدري كم صلي. والصلاة قد يحسب بعضها ويكتب بعضها دون بعض كما دل عليه الخبر "إن العبد ليس له من صلاته إلا ما عقل " قال الحسن البصري: كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع ومن أعرض عما يُذكره به الشيطان ولم يسترسل معه لا ينقص من أجره شيء كما دل عليه قوله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ - "إن اللّه تعالى تجاوز عن أمتي ما حدّثت به أنفسها" هذا وبالله التوفيق.