13 سبتمبر 2025
تسجيلالأغنية الوطنية هي نبض القلب للوطن ككل لا يتجزأ تتكاتف فيها الكلمات واللحن والموسيقى والصوت والأداء بل والإخراج الفني ايضا في التأثير... خصوصا وإننا نسلمّ بمدى قوة تأثير الشعر والأغنية والصوت واللحن على الجمهور العربي — كما تفسره خصائصه في علم الاتصال الجماهيري — حيث يقع ضمن الشعوب الشفوية "Oral Societies " التي تستطيع الكلمة والشعر والأهازيج والنشيد والأغنية والموسيقى ان تلعب فيها مفعول السحر بعكس الشعوب الغربية الرقمية والحرفية التي توصف بأنها Linear Societies"".لذلك، عرفنا بل حفظنا وردّدنا في طفولتنا أغانى وطنية كانت نشيدا عربيا جماهيريا للوطن الأكبر وليست تمحى من ذاكرتنا. تغيرت الظروف وتبدّلت أحوال الأمة وتبدّلت معها طبيعة الأغاني الوطنية وترنحت من العام الى الخاص ومن نداء الوحدة الى نداءات الانقسام.ومع ايماننا بأهمية الأغنية الوطنية في تلك الظروف العربية البائسة إلا اننا نسلّم بحقيقتين: أولها أن الأغنية ليست رهناً لأيام وطنية وليست افرازاً لحالة توتر او نذير تهديد أمني يستجدي نداء الولاء الاني. وثانيها أن الأغنية هي كلٌ وجزءٌ بمعنى انه حينما ننشد اغنية الوحدة العربية الشاملة والمصير المشترك فإننا في ذات الوقت ننشد ما يترجم حب كل وطن في كل وقت وبكل ما يحويه ويعنيه الوطن.إنها باختصار "تربية وطنية".أذكر يوما ما كنت في استضافة استوديو اذاعة قطر، سُئلت: بما ان هذا اول حضور لك داخل الاستوديو، ألك امنية معينة؟ قلت: نعم، اريد في نهاية اللقاء اغنية "الله يا عمري قطر" بصوت مغنيها الأصلي. بعد الهواء قيل لي: سنحقق رغبتك ولو ان لدينا محاذير من وضع الاغاني الوطينة الا في مناسبات الأيام الوطنية... قلت: ولم لا؟؟؟ ونحن نطلبها في مناسبة انجازات قمنا بها للوطن ونشعر بالفخر بوطنيتنا فيها. خرجت بعد اللقاء مباشرة وادرت الراديو فإذا بـ "الله يا عمري قطر" تصدح..و لو بمقطع قصير. اتصلت بالإذاعة وشكرتهم.سرحت في محاذير الإذاعة والمقولة المتحرجة التي أقدرها بالطبع، لكنها أعادتني سنوات للوراء وذكرتني بموقفين مع الراديو واحتشاد الأغاني الوطنية.. الأول: موقف غزو العراق للكويت ومن ثم تحرير الكويت، والثاني: موقف تولي الأمير الوالد الحكم. أعني أن الأغنية الوطنية كانت ترتبط فقط فيما عدا الأيام الوطنية إما بحدث سياسي عربي جلل او بحدث وطني مهم. هذا الحديث كان منذ اعوام وقد يكون تغير وقد يكون لا.وكما يجب الا تكون الأغنية الوطنية رهنا لاي توتر أو حدث سياسي، يجب ألا ترتبط فقط برموز أو اسماء تنتهي بمجرد انتهاء فترة حامل اسمها بأي شكل كان انتهاء فترة حكمه، لأنها ستغدو مجرد أرشيفٍ.وغني عن القول أن الأغنية تعرّف باسمها "أغنية وطنية" وليست: "أغنية حاكمية" لتمجيد شخصى مما لا يفرز ديمومتها ولا يحملها خصائصها ولا حتى معطيات الانتماء الوطني، بل يحملها الأعراف الولائية ولا غبار على الولاء والحب لحكام يستحقون، وتلك في الشعر أيضا عادة درج عليها شعراء العرب منذ القدم بعضها فيمن يستحق وبعضها لا، بل جاءت على عادة بعض الشعراء للتكسب، وما يجرى على التاريخ العربي القديم يجري على التاريخ المعاصر خصوصا واننا شهدنا هذه الأيام تلون القصيدة والأغنية بسرعة البرق مع شعراء وإعلام التكسب من تمجيد فرد لآخر ومن فصيل لاخر ومن حزب لاخر بدرجة تغير الحاكم سواءً كان تغيرا اراديا أو مطلوبا او مفروضا ومرفوضا. وحالة الوطن العربي "ونوروز ربيعهم" في اناشيد واهازيح الأغاني الحاكمية وليس الوطنية خير دليل على ذلك.كان الخليج العربي غنيا بالتناول التأثيري وكنا في طفولتنا نتغنى بالوحدة وقت انعقاد القمم الخليجية، أما اليوم فنرى شحا في تلك الأغاني الحماسية على المستوى الوطني والخليجي، ولست ألوم المنتجين فواقع الخليج يسبغ ظلاله على واقع الأغنية الخليجية الوطنية.اما على المستوى المحلي لكل قُطْرٍ فبعد انجاز تفوقت فيه ذائقة الشعر والانتاج تردّت إلى الأغنية الحاكمية، لذلك ليس بغريب هناك وهنا لدينا في قطر ايضا اننا لا زلنا نبحث عن الأغنية الوطنية التي تحاكي الوطن وتعزف على روح الحب والانتماء وتحمس الشعب وولائه ودفعه للعمل والانتاج والانجاز ما دمنا نسلّم بأن مفهوم الأغنية الوطنية شامل لكل ما تحمله الهوية الوطنية.لن نخجل من أن نعترف بأن أكثر رصيدنا وأرشيفنا كان ولا زال "أغانٍى حاكمية..!!" أين الأغنية الوطنية القطرية العامة القصيرة والطويلة، العربية الفصيحة والعامية،اين الأغنية الملحمية، والاوبراتية والمنتجة المصورة؟.... أين مخاطبة الذائقة الشعبية بمختلف بحور الشعر والرجز وشعرائه ومنفذيه وتشجيع التنافس بين موهوبيها ومحترفيها ومن ثمّ تصوير قطر بمونتاج تستحقه؟ هنا نسأل وهنا نؤكد على انفسنا جميعا من الشعراء والملحنين والموسيقيين والمنتجين والمصورين والمخرجين والإعلاميين بل والمؤسسات الثقافية المعنية أننا بحاجة الى ما يعبر عن الوطن وحبِّه أولاً مهما بلغ بنا حبُّ من يقوده. نريدها صوتا ونغما أثيريا يرتشف يوميا مع قهوة الصباح...وعليه نؤكّد... إن موعدنا مع الأغينة الوطنية بمفهومها الحقيقي اليوم لا غدا....