17 سبتمبر 2025
تسجيلأوجز تقرير دولي تعثر منطقة اليورو في الوصول إلى حل لإنقاذ الدول الأعضاء من مخاطر الإفلاس، بعدد من القضايا العالقة بين المطالبات الشعبية بالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي ومتطلبات النمو، التي يفترض تحققها في اقتصاد تلك الدول. هذه القضايا هي اتساع الهوة بين الإصلاح الاقتصادي والنظام المالي الذي يحكم اليورو، ووقوع تلك الدول في عدة تعقيدات فرضها الوضع الدولي الراهن، وأبرزها تراكم الديون، وغياب الشفافية في الأنظمة المصرفية، وتزامنها مع قضايا متلاحقة، منها ديون الولايات المتحدة الأمريكية، وبروز الصين كقوة اقتصادية مؤثرة، وبروز القطب الآسيوي ككيان اقتصادي ناشئ في سوق المنافسة، وتذبذب العملات وأسعار النفط، وتأثر مخزون الذهب العالمي بتلك الأزمة. فقد أثرت الأوضاع المتفاقمة على كافة أوجه الإصلاح الاقتصادي، وهو يواجه أيضاً قضايا سياسية متشابكة من تغيير منهجيات وبرامج حكومات اليورو، وتأرجح الحلول بين تشديد إجراءات التقشف أو زيادة الإنفاق الحكومي. وتوصل تقرير صادر عن مجموعة العشرين إلى أنّ الدول الغنية والناشئة تعاني من تباطؤ النمو والذي لا يزال ضعيفاً مع تفاقم البطالة التي وصلت إلى درجة مرتفعة، رغم نجاح دول العشرين في التوافق على الالتزام بعدم خوض حرب عملات فيما بينهم وإلا لدخلت دول اليورو في نفق مظلم من الأزمات. وتباينت مقترحات الدول الأعضاء بين صياغة خطط عاجلة أو خطط بعيدة المدى لمعالجة الديون العالية، والبعض يترقب آثار الإنعاش الاقتصادي الذي انتهجته بعض الدول، فيما اعتبرت مجموعة العشرين أنّ الحلول المؤقتة جنبت الدول مخاطر كبرى إلا أنّ الانتعاش لم يكن في مستوى الطموح. ويجمع الخبراء أنّ حل القضايا العالقة يتطلب وقتاً ولن يصلوا إلى النمو بيسر، وأنه يتعين القيام بمزيد من الإصلاحات للتصدي لمشكلات التهرب الضريبي وانعدام الشفافية التي أضرت بنظام أوروبا المالي. فقد أفاد تقرير الجهاز المركزي الأوروبي للإحصاء أنّ ارتفاع معدلات العجز والديون بلغ مستويات قياسية وغير مسبوقة، وأنّ ديون منطقة اليورو المكونة من "17" دولة بلغت "11" تريليون دولار. يقدر عجز إسبانيا بـ"10،6%"، تليها اليونان بـ"10%"، وأيرلندا بـ"7،6%"، والبرتغال بـ"6،4%"، وقبرص بـ"6،3%"، وفرنسا بـ"4،8%". كما حصدت ديون اليورو "90،6%" من إجمالي دخلها القومي، واحتلت اليونان المرتبة الأولى، تليها إيطاليا ثم أيرلندا، ونجحت ألمانيا إلى حد ما في تحقيق فائض بدلاً من العجز في موازناتها العام 2012، إلا أنّ هذا الفائض سيتسبب في دخول الصناعة والاقتصاد الألماني في ظروف الانكماش وتراجع الأداء بسبب محدودية الإنفاق. كما وصلت الثقة في اليورو إلى أدنى مستوياتها حسب تقرير صادر عن المفوضية الأوروبية الذي تناول قراءات الثقة في اقتصادات اليورو التي أظهرت تراجعاً بلغ "88،6" نقطة، مقارنة بارتفاع سجلته سابقاً بلغ "90،0" نقطة وجاءت أسوأ من التوقعات. وأركز هنا على عنصر الثقة الذي تسبب في تأرجح اليورو بين الإصلاح وضرورات النمو، إذ تعتبر البطالة المسبب الأول لهذا التراجع، لأنها مؤشر يدل على الخلل في النشاط الاقتصادي ويفاقم في نتاجه البعدين الاقتصادي والاجتماعي ويزيد الأمر تعقيداً، وترى الدول أنّ الحل في اعتماد سياسات مالية انكماشية لمعالجة الظواهر كتقليص الإنفاق، ومعالجة عجز الميزانية، وطرح السندات الحكومية كوسيلة لسحب المعروض النقدي، وأن يلعب البنك المركزي دوراً أكبر من خلال تأثيره على نشاط البنوك التجارية واعتماد سياسة تقليص الائتمان. فيما ينظر آخرون إلى الديون نظرة تفاؤلية، وهي أنّ حدوث اختلالات اقتصادية واجتماعية في الكيان الاقتصادي لأوروبا سيعمل على إجراء مراجعات للأنظمة المالية القائمة، وأنه من الضروري أن تقود أزمة الديون إلى إحداث نقلة في الحلول. فالسياسة الفعالة لمعالجة القضية هي التركيز على معالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد والقطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية والخدمية والتعدينية أولاً، فيما يرى البعض أنّ الحل يكمن في إجراءات التقشف العاجلة، وأنّ الهدوء الذي تشهده القارة آنياً ما هو إلا هدوء قبيل سقوط الدول في فخ الإفلاسات. أما النمو الذي تأمله اليورو فهو ليس في زيادة الإنتاج، إنما في إعادة ثقة العملاء في النظام المالي برمته، فقد غاب عن الاقتصاد الغربي الاستثمار في رأس المال البشري حتى تحول إلى كتلة من البطالة متجذرة في عمق المجتمعات، وصار من الصعب علاجها سوى ببعض المسكنات، مثل الإعانات أو إجراءات التحفيز اليسيرة. وأشير هنا إلى نظرية النمو الجديدة التي تركز على خلق رأسمال بشري يبني استثمارات ومنتجات جديدة، ولكن ما يعايشه الاقتصاد الراهن هو تراجع في عوائد رأس المال وبالتالي تراجع النمو، ومن هنا فقد أدركت الدول ضرورة تحفيز النمو القائم على الابتكار والتقنية وزيادة رأس المال.