18 سبتمبر 2025

تسجيل

الستر القيمة الفريدة المحفزة لتقويم السلوك

01 مايو 2011

عندما تخترق المخالفة حائط الصد المعزز بالقيم، وتمعن في استدراج الرغبة طبقاً لتسهيل عبورها وتمريرها وفق قياس هش لا تلبث أن تتضح مساوئه لاسيَّما على مرتكب المخالفة وما يعانيه في الداخل، خصوصاً الحرب الضروس مع ذاته الرافضة لهذا الإذعان المخزي للخطيئة وتوافق هذا الرفض مع منطلقاته التي تأسست وفق بيئة تنحو إلى تهذيب النفس والتحذير من مغبة الانسياق خلف الأحاسيس التي تتقن التضليل على خلفية التبرير المتكئ على الخداع والمواربة من حيث تطويع المدارك بهدف انتشال المنافع من دائرة الشبهة عبر تصوير مغالط ينوء بالمفارقات فضلاً عن التناقض الذي يستشعره ولا يقره فيصدق هذا الشعور من حيث المبدأ شكلاً وتكذبه نفسه الأمارة بالسوء، بيد أن مطرقة الواقع لا تهدأ ولا تستكين لتنكشف الأغطية التي لم تعد قادرة على ستره، تبعاً للقياس المضطرب الذي بني على ضوء فرضيات متهالكة وتصور خاطئ، وهنا تنتقل المعاناة من الداخل لتنسحب إلى الخارج حيث المواجهة وتسليط الضوء ليقف المجتمع ناقماً ناقداً على سلوكه وتصرفه، ذلك أنه نسف الخشية من رب العالمين، وتهاون في غفلة صنعتها إرادته التي لم تكن من القوة بما يدرأ السوء عنه، غير أن احتواء التجاوزات ومعالجة القصور في هذه الجانب لاسيَّما إذا لم يلحق ضرر المخالفة أناس آخرين بصيغة موضوعية منصفة فإن الستر يعد بلسماً شافياً لتخطي العوائق النفسية ومساندته لتخطي هذه المرحلة المؤلمة لما في الستر من نواح إيجابية مؤثرة في إصلاح النفوس واستقامتها، والستر لا يتقاطع مع تنفيذ العقاب على المخطئ، وتتجلى الحكمة البالغة بتفعيل الستر كعنصر قيم يتيح المجال للمذنب أن يتوب من فعلته ويطهر نفسه بتعويض من أصابهم وطلب الصفح منهم، ليفتح حدود العودة إلى الرشد فإذا كان رب العباد غفارا لمن تاب وأناب فكيف بنا نحن الضعفاء المعرضين لصنوف الأخطاء فلم يكن الاستغفار إلا تطهيراً للنفس من وساوسها وتنقية للفكر من جنوحه، لذلك كان النصح والإرشاد والتذكير بخاتمة العمل السيئ شح ذا قوة في الإرادة التي تسيطر على شجون القرارات الحسية والمعنوية، إذ ينبغي أن تتم معالجة الأسباب المؤدية للمخالفات وفق التنوع في الطرح المفضي إلى تتبع مصدر المخالفة واستنتاج اللقاح من ذات المصدر لتقوية الجهاز المناعي وتنشيطه وضخه في شرايين الرقابة الذاتية لإحقاق الحق وتطبيقه، والذي يؤدي غيابه بطبيعة الحال إلى تهيئة المناخ لتنمو هذه الخلافات وتستشري وتنخر في القيم، وهكذا تنتشر الآفات الأخلاقية لترهق المجتمع بكل أطيافه. ويشكل الستر على الآخرين قيمة معنوية وأخلاقية تستوحي النبل بفضائله الجمة وتستثير التوبة بمفهوم التسامح الخلاّق، ويبرز دور الستر في الإسلام كعنوان بارز صادق في إتاحة الفرصة لمن أخطأ بإصلاح خطئه والتوبة والندم على ما فات. وحينما تجنح النفس بإيحاءاتها المتكررة وتسيطر النزوات على المشاعر لتلج في أتون المخالفات عبر التزيين الموهم للأحاسيس بمقارعة المتعة في لحظة غفلة، فإن التراجع والعودة إلى طريق الصواب هو الهدف والعائد من الستر، ومما لا ريب فيه أن الستر يسمو بالأخلاق ويعزز من فرصة مراجعة النفس بأسلوب يحلق بالاقتدار نحو آفاق الصفح والعفو، فإذا كنا نطلب الصفح والعفو والستر من رب العباد فحري أن ينالها الآخرون من قبلنا لننال بها رضاه، وكشعور لبق لائق فذ ذلك أن العقاب أياً كان نوعه إنما هو وسيلة للتصحيح وتقويم السلوك، فإذا كانت الغاية منه ستتحقق من خلال احتواء الأخطاء ومعالجتها برؤية موضوعية متزنة وفقاً لمحاسبة النفس وشحذاً ليقظة الضمير الذي حاصرته الغفلة، فإن الستر بمفهومه الفريد في هذه الحالة سيضفي على التأثير مزيداً من التألق والنفوذ، وقيل (الضمير خير من ألف شاهد) في حين أن اختزال الامتعاض والسيطرة على المشاعر وتحقيق أعلى درجة من العلم والحلم والحكمة سينير الطريق للجاهل ويذكر الغافل، أن محاربة الفساد بكل أشكاله تتطلب المزيد من حرص المربين لإيقاف امتداده وبتر أوصاله ومسيرة الإصلاح تتطلب جهداً دؤوباً للارتقاء بالمستوى الأخلاقي على نحو يترجم الجهود المخلصة في إطار تفعيل القيم النبيلة الداعمة لكل توجه يصبو إلى خدمة الأمة من خلال التزامها بمبادئها الثابتة ويجب ألا ينخفض مستوى هذا الإحساس، لمجرد تنامي حالات الشذوذ لأن هذا الانخفاض والتراخي سيؤدي إلى تجذره في أوصال المجتمع، فضلاً عن امتداد آثاره ليصيب المفاصل الاقتصادية في مقتل، وبالتالي فإن الحصيلة ستنوء بالخسائر على جميع المستويات، والحق أحق أن يتبع.