12 سبتمبر 2025
تسجيلإعادة توزيع الدخل وتقليص الفوارق بين الطبقات تشير معظم التوقعات إلى أن قيام دول التعاون بفرض ضريبة القيمة المضافة ما هو إلا بداية لفرض أشكال أخرى من الضرائب، على الأقل وفقا لما يوصي به صندوق النقد الدولي هذه الدول، الأمر الذي يدفع منذ الآن لإثارة موضوع العدالة في فرض هذه الضرائب بأشكالها المختلفة، كون الضرائب هي مال عام تتم جبايته من المواطنين والشركات والأعمال ولابد أن تكون بالتالي هناك رقابة وشفافية وحوكمة على أوجه تحصيل وإنفاق هذه الضرائب. هذا من جانب. أما ما جانب آخر، فإن الضرائب وكونها تمثل إحدى أدوات السياسة المالية لم تعد أهداف هذه السياسة في الأنظمة المالية الحديثة مجرد الحصول على المداخيل بصورة محايدة لتغطية النفقات وبمعزل عن مراعاة ظروف المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل أصبحت تهدف سواء في جانب التحصيل أو في جانب الإنفاق إلى ترتيب تأثيرات مقصودة في الجانب الاقتصادي والاجتماعي، ومن بين هذه التأثيرات إعادة توزيع الدخل وتقليص الفوارق بين الطبقات وتحقيق العدالة الضريبية والاجتماعية. ففي جانب فرض الأشكال المختلفة للضرائب وبغية تحقيق العدالة الضريبية تقترح الأدبيات الاقتصادية فرض ضرائب مناسبة على السلع الكمالية التي يكثر استعمالها من قبل أصحاب الدخول المرتفعة وتخفيف أو إعفاء السلع الأساسية التي يستهلكها الفقراء بقدر الإمكان. كذلك فرض ضرائب تصاعدية على الدخل، فهذه الطريقة تؤدي إلى نتائج سريعة في البلاد المتقدمة. كما تقترح تجنب الضرائب غير المباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة وضريبة المبيعات التي تشمل الجميع دون استثناء ومنح الإعفاءات الضريبية لأصحاب الدخول المتواضعة (الحد الأدنى للمعيشة) ولمن يعول عددا كبيرا من الأفراد. كذلك استحداث الضرائب المفروضة على التركات مع مراعاة بعض الظروف مثل مقدار التركة ودرجة القرابة بين الوارث والموروث وعدد الورثة. كما تقترح أيضا إصلاح هيكل توزيع الثروات في المجتمع عبر فرض ضرائب استثنائية على أصحاب الثروات الكبيرة بهدف الحصول على موارد إضافية لتمويل بعض أوجه العجز على المستوى التنموي و المساهمة بذلك في تحقيق التماسك الاجتماعي. أما في جانب أوجه إنفاق الإيرادات الضريبية، فأن تلك الأدبيات تقترح توجيه قسم من عائدات الضريبية لتقديم الخدمات العامة من قبل الحكومة التي ينتفع منها الجميع، كرفع جودة التعليم والخدمات الصحية والإسكان...الخ، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي من خلال منح الإعانات للعاطلين والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة والمتقاعدين والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة، حيث غالبا ما تصرف هذه الاعانات من الضرائب. كذلك توجيهها نحو توسيع أوجه الصرف على البنية التحتية والطرق والشوارع ليشمل كافة مناطق البلاد ولاسيما المناطق الفقيرة والنائية والتركيز على تطوير هذه المناطق. كذلك أن يتم التركيز في أوجه الصرف على تشجيع وتحفيز الأنشطة المولدة للوظائف للمواطنين وتقليل نسب البطالة وأن أن يتم تخصيص جزء من إيرادات الضرائب للإنفاق على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وأصحاب المهن الحرة ورواد الأعمال كونهم يمثلون الفئات الأوسع في الاقتصاد. في البلدان الإسكندنافية والتي تتمتع جميعها بمعدلات عالية من التنمية الاقتصادية والرفاهية والرضا الشخصي، كما أنها أيضا تتمتع بمعدلات مرتفعة جدا من الإنتاجية والكفاءة الاقتصادية، يبدو أن أحد الأمور المهمة المسببة لذلك، قابلية الشعوب الإسكندنافية بل ورغبتها في فرض الضرائب على أنفسهم لتقوم الدولة بتخصيص جزء من إيرادات هذه الضرائب في دفع تكاليف التعليم والرعاية الصحية والتدريب على العمل وإعادة التدريب وتمويل شبكة أمان اجتماعي شاملة. المهم هنا أن يشعر هؤلاء المواطنون أنهم يتمتعون بنوع من العدالة الضريبية والمساواة في تحمل الأعباء والتكاليف.