31 أكتوبر 2025

تسجيل

حتى لا تلقى دمشق مصير جروزني وبغداد

01 أبريل 2016

شهدت بعض عواصم العالم تدميرا شاملا، وفي ذلك تعددت الأسباب. بغداد كانت ولا تزال شاهدا على هول التدمير الذي تتعرض له عواصم الدول التي تتعرض لاعتداءات من الدول الكبرى على الدول الصغرى، وهي شاهد حي على جرائم الميليشيات الهمجية وعلى آثار ونتائج الصراعات الداخلية المدعومة من إيران التي سعت وتسعى لتدمير العراق.وجروزني عاصمة الشيشان كانت عنوانا آخر لأسباب تدمير العواصم، إذ قام الجيش الروسي بتدمير عاصمة الشيشانيين تدميرا شاملا لإنهاء حالة الاستقلال التي سار فيها الشعب الشيشاني عن الدولة الروسية. نظر الشيشانيون للجيش الروسي كجيش احتلال وصاروا إلى مقاومته عسكريا فحشد طائراته ودباباته وأعمل تدميرا في عاصمتهم وقتلا لكل من وجد بها ولم يهرب. أما برلين فقد كانت شاهدا على خواتيم الحرب العالمية الثانية وبداية تبلور الصراع الأمريكى السوفيتي، حيث تسابق الجيشان الأمريكي والروسي على إعمال التدمير والاحتلال لعاصمة هتلر، الذي ظل مصمما على مواصلة الحرب حتى انتهى خصومه من تدمير عاصمة بلاده، وعندها انتحر أو هرب حسب بعض الروايات.تدمير العواصم هو أحد أخطر نواتج الصراعات، إذ هي مركز إدارة البلاد ليس فقط خلال الصراعات بل خلال مرحلة إعادة البناء والتأسيس بعد انتهاء الحروب. وتدميرها يتسبب في كارثة وطنية كبرى لكونها الأعلى اكتظاظا بالسكان. وفي الصراع الجاري في سوريا –حتى الآن-تبدو دمشق الأقل تضررا إذا قارناها بوضعية حلب أو أدلب أو المدن الأخرى. وهنا يطرح السؤال حول من حمى دمشق، وما إذا كانت العاصمة قاب قوسين من الإنقاذ بفعل مفاوضات التسوية الجارية. وواقع الحال أن من حمى دمشق لم يكن جيش بشار بالدرجة الأولى، بل حرص كثير من عناصر الثورة وعواصم إقليمية ودولية على منع وقوع كارثة أشد إايلاما وقسوة. لقد تضافرت عوامل عديدة على إنقاذ دمشق، أهمها يعود إلى رؤية وسلوك المعارضة، فإذا عمد النظام إلى تدمير كل مدينة أو حي أو بلدة حررها الثوار، فقد أبرز الثوار حرصا واضحا ومبدئيا في كل نشاطهم العسكري. اعتبروا أن مهمتهم هي بناء سوريا لا هدمها.لكن سؤال دمشق أصبح حالا الآن. وفي ذلك يمكن القول، بأن أهم نواتج وقوع التوافق حول الحل السياسي ستكون مجسدة في إنقاذ دمشق من التدمير الشامل على غرار جروزني أو بغداد أو برلين. وفي الجانب الآخر، فإن كل أطروحات أخرى لن ينتج عنها سوى تدمير دمشق. وبمعنى آخر، فإصرار بشار على البقاء، ليس إلا مشروعا وقرارا بتدمير دمشق، واستمرار السعي لتحقيق سوريا المفيدة لا يعني سوى إطلاق حملات عسكرية بلا نهاية لإسقاط بشار، وخلالها ستدمر دمشق. دمشق هي آخر اختبار لبشار ومن معه بل لمواطني سوريا المقيمين في دمشق الآن. بشار ليس أمامه إلا أن يقف موقف هتلر الذي جر الحرب إلى عواصم كثيرة وعلى رأسها عاصمته فكان التدمير الشامل، أو أن يلعب لعبته مع بوتين على طريقة من تعاونوا مع الجيش الروسي في جروزنى. وأهل دمشق باتوا أمام خيار هم ومن بقيت فيه روح وطنية وإنسانية وعقل من أجهزة الدولة، فإما أن يتعاونوا معا لإنقاذ دمشق، وإما أن يظلوا صامتين حتى يفيقوا على الكارثة.وإنقاذ دمشق لا يعنى الحجر وفيها كنوز تاريخ حضاره، بل إنقاذ ملايين البشر، إذ أن اندلاع معركة لتحرير دمشق، سيخلف قدرا من الشهداء يفوق كل ما سقط في مختلف أنحاء سوريا عبر السنوات الخمس الماضية.إخراج بشار من المعادلة ليس ضرورة لبناء نظام سياسي جديد فقط، بل هو ما ينقذ دمشق من دمار محقق.