12 سبتمبر 2025

تسجيل

العالم يودع "لي كوان يو" مؤسس النهضة السنغافورية

01 أبريل 2015

احتلت سنغافورة المركز الأول في قائمة أفضل اقتصادات العالم من حيث الأداء ومتوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، وذلك وفقاً لأحدث الدراسات التي قام بها مؤخراً موقع “بلومبرج” المتخصص في هذا الصدد، وهو أمر غير مستغرب بالنسبة للاقتصاد السنغافوري الذي احتل العام الماضي المركز الأول عالمياً في تقرير الشفافية الذي تصدره سنوياً منظمة الشفافية العالمية، وكذا المركز الأول عالمياً في تقرير تسهيل ممارسة الأعمال الصغيرة والمتوسطة الذي تصدره مؤسسة التمويل الدولية، وتقرير أعلى نسبة مليارديرات على مستوى العالم بالنسبة لعدد السكان، والمركز الثاني في تقرير التنافسية العالمي.إلا أن الأمر الذي قد لا يعلمه الكثيرون هو أن هذا البلد الصغير ذا الخمسة ملايين نسمة كان حتى عام 1965 مجرد مستعمرة بريطانية صغيره تعاني أعمال العنف والاضطرابات، وتواجه عداءً شديداً من بعض جيرانها خاصة إندونيسيا وماليزيا ولم يكن بها أية موارد طبيعية، وكان سكانها مزيجا من الصينيين والهنود والملايو.... إلى أن تولي رئاسة وزرائها “لي كوان يو” الذي استطاع بحنكته وخبرته ورجاحة عقله أن يجعل منها واحدة من أهم المراكز المالية والتجارية على مستوى العالم، ويرفع إجمالي ناتجها المحلي خلال فترة حكمة من مليار واحد إلى ما يزيد على مائة مليار دولار أمريكي ويزيد من معدل نمو البلاد الاقتصادي إلى أكثر من 9% لأكثر من أربعين عاماً متوالية.وقد استطاع “لي كوان يو” أن يقدم سنغافورا إلى العالم كقوة اقتصادية هامة لها وزنها وأهميتها معتمداً في ذلك على خلق بيئة مناسبة تسمح بإطلاق طاقات الإبداع للشعب السنغافوري، ومن خلال تصديه بفاعلية وحزم للفساد والمفسدين، وإحكام السيطرة على الإنفاق الترفي، وتحصيل حق الدولة من الضرائب، وخلق حالة رائعة من التزاوج بين السياسات والبرامج الاقتصادية والسياسات والبرامج الاجتماعية، واعتماد برنامج متكامل للإسكان الاجتماعي بحيث يتيح لذوي الدخول المنخفضة شراء المسكن الملائم من خلال نموذج سليم لإدارة الدعم بما لا يؤدي إلى أية مشاكل مستقبلية، ورغم ذلك فإنه لم يسلم من انتقادات معارضيه الذين اتهموه بسوء معاملتهم والحد من حرية الإعلام والإعلاميين.وتعلمت سنغافورا مع هذا القائد العظيم باعث نهضتها الحديثة كيف يمكن لها أن تحقق الثراء والازدهار، وأصبح “لي كوان يو” رمزاً ومثار إعجاب بالمجتمع الدولي، بل تحول إلى شخص ملهم للكثير من قادة وزعماء العالم وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الصيني “دنج زياو بينج” الذي زار سنغافورا في عام 1978 لدراسة وتقييم التجربة السنغافورية الناجحة عن كثب، وعرض عليه القائد السنغافوري مخططاً بأهم الإصلاحات الاقتصادية التي يمكن تنفيذها في الصين.... وبعد عودته إلى بلاده بدأ بالفعل القيام بالإصلاحات التي نصحه بها “لي كوان يو” وفي مقدمتها خلق مناطق تنمية اقتصادية بطول ساحل الصين “على غرار تلك المناطق المنفذة بسنغافورا”، وقد كانت تلك الإصلاحات بمثابة البداية التي نقلت الصين لتكون اليوم صاحبة أكبر حجم وقيمة صادرات وتجارة خارجية عالمية وثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم وثاني أكبر إجمالي ناتج محلي.وتقديراً لهذا القائد الفذ الملهم صانع المعجزة الاقتصادية الكبرى “المسماة سنغافورا” والذي وافته المنية الأسبوع الماضي عن عمر يناهز 91 عاماً والذي استطاع تحويل بلاده من مستعمرة بريطانية صغيرة لا تمتلك أية موارد إلى واحدة من أغنى دول العالم رغم صغر مساحتها وانخفاض تعداد شعبها.... فإننا لا نستطيع إلا تقديم كل التحية والتقدير لهذه الشخصية التي تحولت إلى قدوة يقتدي بها الكثير من الزعماء والحكام، والدليل الأكبر على ذلك ما قاله هؤلاء القادة في يوم وفاته.حيث قال عنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنه أحد الشخصيات الأسطورية في القرن العشرين والحادي والعشرين وأنه عملاق سوف يذكره التاريخ للأجيال القادمة، وأنه الأب الروحي لسنغافورا الحديثة وأحد كبار الخبراء الاستراتيجيين في الشؤون الآسيوية.... كما وصفه الرئيس “شي جين بينج” بأنه الصديق القديم والعظيم للشعب الصيني وأنه باعث ومؤسس سنغافورا الحديثة وأنه رجل دوله يحظى باحترام واسع من جميع المجتمع الدولي وأنه الرائد الأكبر في العلاقات الدولية.كم وصفه رئيس الوزراء الياباني “شينزو آبى” بأنه أحد أعظم قادة آسيا المعاصرة، وأن قيادته العظيمة استطاعت أن تحقق لبلاده التطور المبهر في جميع المجالات لتدفع بها نحو التألق والازدهار.... وقال عنه رئيس الوزراء الهندي “نارندرا مودى” أنه رجل بعيد النظر وأنه أسد حقيقي بين القادة وأن حياته تعتبر درساً في تعاليم القيم المجتمعية.... وأضاف الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بأنه الشخص الذي حظي بالاحترام والحب الصادق من مواطنيه ومن مواطني المجتمع الدولي طوال عقود من العمل المثمر والخلاق.