14 سبتمبر 2025
تسجيلالتنوع والشمولية عنصران داعمان للقطاع الخاص في ظل عالم يطلب التغيير، وأنّ رغبة صناع القرار في نشوء اقتصاد متوازن سيعزز القدرة الإبداعية للإنتاج، وهذا يتطلب قيام أنشطة صناعية وتجارية صغيرة ومتوسطة لتنمية قوى السوق.في رؤية الأمم المتحدة للتجارة والتنمية حول التوازن في القطاع الخاص بينت أنّ إسهام الشركات والأسواق العالمية يعمل على تشكيل حلقة إنمائية إيجابية، يتسنى فيها النمو المحلي والتكامل الخارجي، بحيث يعزز كل منهما الآخر، وهذا يتوقف على القدرات الإنتاجية والقدرات المؤسسية الأولية المتاحة.وإذا أردنا رؤية واضحة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة تغير المستقبل، لا بد وأن نبدأ بالمستوى الذي تحمله الشراكات الحالية عن ذاتها، ومدى توافقها مع واقع التجارة الراهن. فالشركات الناشئة تبحث عن اكتساب الامتياز والثقة والتفوق والتشغيل وتحويل الأفكار إلى منتجات قابلة للتطبيق والتصنيع، ومن هنا تسعى الشركات الاقتصادية الأكبر حجماً للاستثمار في الناشئة، بهدف الاستفادة من ابتكاراتها، والتوسع في قواعدها الإنتاجية.وعلى صعيد الواقع الخليجي ومن خلال اجتياز القطاع الخاص لتداعيات الأزمة المالية أثبت أنه أكثر قدرة على التعامل مع التطورات، لأنه يتبع منهج التكيف مع مجريات الأمور، ثم ينظر إلى دوره كقطاع خاص يؤثر في أداء المؤسسات الحكومية.ولو اقتربنا من التفسير الدقيق للقطاع الخاص فإنه ينقسم إلى شركات محلية، وشركات عائلية يقدر عددها ب”45” شركة عائلية تقريباً في منطقة الخليج، وهي تدير أصولاً بأكثر من تريليونيّ دولار، وهذه تشكل نموذجاً للشركات الصغيرة الساعية إلى النمو بعمق في السوق.وينحو التوجه الخليجي كما الرؤية العربية أيضاً اليوم إلى إنماء دور الشراكات الصغيرة والمتوسطة في المشروعات الكبرى، لتنويع مصادر الدخل أولاً، ولإيجاد رديف مساند للقطاع النفطي ثانياً، ولفتح أسواق جديدة توفر فرص عمل ثالثاً.والمتتبع لنمو مشروعات القطاع الخاص على أرض الواقع يجد أنها تتعثر في أغلبها رغم الدعم اللوجيستي الذي تقدمه الحكومات، والتشريعات الممهدة لإنمائها وإعفائها من الرسوم الجمركية والضرائب، علاوة ً على الحراك المجتمعي، وما تشهده الدول من طفرة عمرانية وزيادة سكانية فرضت إيلاء الاهتمام للقطاع الخاص.والسؤال الذي يطرح نفسه.. لماذا يتأرجح القطاع الخاص بين التقدم والتراجع؟. فإذا كانت الدول تنفق بسخاء على المشروعات الوطنية وتولي شركاتها المحلية أولوية خاصة، وما نراه أنّ شركات تتقدم في مشروعات ناجحة وأخرى تحجم بعد سنوات عن الاستمرارية. ويكمن الخلل في كيفية إدارة الشركات لتشق طريقها إلى النمو، وعدم الاستسلام للإخفاقات، إلا أنّ الكثير منها يتعرض لتراجع أدائه بسبب سوء الإدارة أو عدم دراسة السوق برؤية واقعية والدخول في صفقات غير مدروسة.واستشهد هنا بالتجربة التي عايشتها عن قرب في المملكة المتحدة وعندما كنا كباحثين نقوم بإعداد دراسات ميدانية عن أداء الشركات الصناعية وتحديداً شركات السيارات، إذ أنّ أغلب المصانع في المدن بدأت من الصفر وبجهود فردية وبإمكانات محدودة، ومع مرور السنوات نجحت وغدت من كبريات الدول في هذا النوع من الصناعات، بل وأصبحت اليوم علامة فارقة في الإنتاج الصناعي. ورغم أنّ تلك الشركات الصغيرة كانت تواجه عقبات منها الاصطدام بتعقيدات التراخيص والضرائب التي تفرض عليها بين وقت وآخر ومطالب العمال من أجور وتأمينات معيشية إلا أنها غدت مدناً صناعية متقدمة، ولعل العامل الرئيس الذي أدى إلى نمو الشركات الإنجليزية هو الاهتمام بالأفكار البحثية الخلاقة والتجارب وتشجيع الطموحات الوليدة، وإعطاء التجربة مساحة كبيرة من التطبيق العملي بل والكثير منها يجد الدعم المالي من شركات أكبر.والعامل الثاني هو العقلية الإدارية التي كانت ترى في صغر حجم الشركة نموذجاً صناعياً لا يمكن تكراره ومتفرداً، وأنّ النظرة الإيجابية التي حققت الاستمرارية مكنتها من دخول السوق العالمية بقوة، إضافة ً إلى قدرتها على دراسة الواقع الراهن للاقتصاد ومحاولتها الجادة لابتكار أفكار جديدة في التصنيع.وليس غريباً أن نرى اليوم الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة تستخدم العمال الآليين “الروبوت البشري” في عمليات التجهيز والتركيب والتصنيع وكان ذلك منذ الستينيات وليس من عهد قريب، إذ رغم التكاليف الباهظة لتصنيع روبوتات آلية تقوم بمهام الأيدي العاملة في التصنيع والتركيب إلا أنها تحرص على أن تكون العمالة الآلية من أولوياتها.وإذا سلطنا الضوء على دور القطاع الخاص في دولة قطر فإن مشروعات الدولة الكبرى تعطي أولوية قصوى للشركات المحلية في تنفيذها، وأتاحت للشركات القائمة الانضمام إلى مشروعات الخدمات والمعدات والإنشاءات والتقنية، والمدن الصناعية التي تقوم على الطاقة والنفط والإنشاءات والبناء.وأدلل من خلال البيانات الإحصائية على أهمية القطاع الخاص في دفع عجلة النمو القطري، حيث تمثل الصناعات الصغيرة “90%” من المشروعات الصناعية، وتسهم بما يعادل “70%” من الناتج القومي.ولأجل الارتقاء بالمواطن ليكون قادراً على إدارة شركة خاصة هيأت التشريعات المناسبة لدعمه ووفرت له بيئات مشجعة مثل إعطاء التراخيص وبناء مخازن ومنشآت ومصانع صغيرة.كما خصصت أيضاً موازنات ضخمة للمشروعات الكبيرة وفتحت الباب على مصراعيه للشركات الوطنية لأن تقتنص فرص الفوز بتعاقدات مع شركات قطرية عملاقة أو خليجية أو أجنبية، بهدف تهيئة الأجواء أمامها لنقل الخبرة، وهي تسعى في الوقت ذاته إلى بناء طبقة واعدة من رجال الأعمال لإدارة مشروعاتهم بأنفسهم، وليكونوا داعماً لمشروعات غيرهم.في الشرق الأوسط هناك محاولات جادة لإعطاء الشركات الصغيرة والمتوسطة مكاناً مهماً في الإنتاج المحلي، إلا أنّ الخطوات الأولى لا تزال في بداياتها، وهي تتطلب التمكين في مجالات معينة لإنجاح أيّ نشاط مثل الإدارة الفاعلة والتفاوض ودراسة السوق وتأهيل العمالة ورأس المال المناسب وتوقع المخاطر قبل المكاسب وتوطيد علاقة الشركة مع الزبون.وأوجز أنّ التخطيط الفعال، والإدارة المرنة، ودخول السوق بثبات، واقتناص الفرص يعزز من قيام شركات صغيرة ومتوسطة فاعلة.