فراقهم عيد

تلقيت دعوات من محطات تلفزيون محلية وعربية وعالمية للتحدث عن معاني مرور 1000 يوم على حصار دولة قطر، واعتذرت عن جميع تلك المقابلات، ولكن جلست مع نفسي، وقلت الحمد لله أننا تفارقنا مع الجموع الغادرة لمدة 1000 يوم. لقد كنا مغشوشين في جيران السوء حتى بانت الحقائق لقوله تعالى "لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ" ق: 22، نعم لقد كنا في غفلة من هذه الأمور التي مرت علينا وأدت إلى حصار بلادنا، فكشف لنا رب العالمين ما كان يحاك من تحت الطاولة، حتى رأيناه، فزالت الغفلة عنا، وعرفنا الصديق من العدو. لقد قامت دول الحصار، بقصد الاستيلاء على ثروات ومقدرات دولة قطر، بحصارها براً وبحراً وجواً، وكما تبين لنا فإنه لا مانع عندهم من قتل المواطنين والمقيمين جوعاً بإغلاق تلك المنافذ حتى لا تصل المؤن لهم. وكانت النية مبيتة، في حال عدم نجاح الحصار، لغزوهم في عقر دارهم. ولكن رب العالمين كان لهم بالمرصاد لإفشال كل خططهم، ففتح لأهل قطر جميع المنافذ (ما عدا البرية) مع إيران، والتي تبين لنا أنها أشرف في المعاملة منهم. ففتحت موانئها، وجهزت مطاراتها وشوارعها، للتخفيف على قطر شر أعمال أشقائها. وفعَّلت دولة قطر اتفاقياتها الأمنية والعسكرية مع العديد من الدول، وعلى رأسها تركيا وأمريكا وإيران والباكستان، لتكون في مأمن من أي محاولة غزو عسكري من أشقاء الأمس، ولكنها لم تسمح بالتواجد العسكري سوى لأمريكا، بحكم وجود القاعدة العسكرية، وتركيا. وفي نفس الوقت، قامت قطر بقيادة سمو أميرها المفدى، وحكومتها الشابة، بالعمل للوصول إلى درجة متقدمة من الاكتفاء الذاتي في العديد من المواد الغذائية والدوائية والصناعية. إن الطمع السعودي في أراضي وموارد جيرانها، الطبيعية والمالية، ليس له حدود، فلا توجد أي دولة تتشارك مع السعودية في الحدود البرية إلا والنزاع سيد الموقف. أما مسألة الحصار على قطر فهو ليس الأول في السياسة السعودية، فنجدها قد طبقته على الكويت مباشرة بعد توقيع معاهدة ترسيم الحدود بينها وبين الكويت (فيما يعرف بمعاهدة العقير 1922) والتي بموجبها استولت السعودية، بتوجيه وموافقة الإنجليز، على أكثر من نصف مساحة الكويت. لقد فرضت السعودية الحصار على الكويت من 1922 واستمر لأكثر من 10 سنوات (مصادر تذكر أن الحصار استمر 14 سنة) لرغبتها في الحصول على مساحة أكبر من أراضي الكويت، ولكن السعودية ادعت أن الحصار هو بسبب عدم موافقة الكويت على جمع الضرائب من بادية نجد عن طريق رفع الضريبة الجمركية، ومن ثم تسليمها للسعودية. طبعاً الكويت رفضت أن تكون جابي ضرائب للسعودية، لأن ذلك يمس سيادتها، فحدث الحصار. حاولت بريطانيا التدخل، عدة مرات، لفك الحصار ولكن السعودية ادعت أن الحصار قضية ثانوية وأنه "قضية صغيرة جداً جداً جداً". وفي 1935 أجبر الإنجليز السعودية على الجلوس مع الكويتيين. وانتهى الحصار. السعودية، كما تبين لنا، لا تفهم النقاش والمحاورة ولكنها تفهم لغة القوة والتهديد، ولهذا أذعنت لما رأت العين الحمراء من الإنجليز، ورفعت الحصار عن الكويت. إن السعودية كانت، ولا تزال، تريد الحصول على الأرض القطرية، التي ضمت مؤسسها عبدالعزيز آل سعود ووالده عندما كانا لا يجدان من يؤويهما ولا يحميهما. وبمساعدة الإنجليز وموافقتهم، استولت السعودية، في عام 1913، على حوالي ضعفي مساحة قطر الحالية (أراضي قطر تمتد من الدمام إلى الربع الخالي قريباً من واحة البريمي). ولأنهم لم يجدوا من يردعهم فقد بلعوا تلك الأراضي ووصلت بهم الجرأة، فيما بعد، من الاستيلاء على منطقة سلوى القطرية وقاموا مجدداً، في 1992، (بالرغم من اتفاقية الحدود الموقعة في 1965)، بضم منطقة الخفوس لهم. ولأنهم لا يعرفوا سوى لغة العنف، ويخافون ممن يهاجمهم، فلهذا قامت قطر بشن حرب إعلامية دولية عنيفة عليهم، فتراجعوا عما خططوا له، بل وتنازلوا لقطر عن بحيرات خور العديد الثلاث كاملة. السعودية دولة لا تحترم من يأتي إليها محاوراً، بل تأتي طائعة لمن يضربها على الرأس. إننا في قطر نؤمن بالحوار، ولهذا كلما سنحت بارقة أمل في حل مشكلة الحصار، قامت الجهات المسئولة على أساس من "سار لي ذراع سرت له باع" بالاتصال والجلوس على طاولة المفاوضات. وفي كل مرة يتم إنهاء المناقشات، بدون الوصول إلى حل، ممن يسمى بالشقيقة الكبرى. إن ما حدث من السعودية بمنع أختنا الغالية سعادة الدكتورة حنان الكواري، وزيرة الصحة العامة القطرية، من دخول السعودية بصفتها دولة المقر لمجلس التعاون للمشاركة باجتماع وزراء صحة المجلس يحتاج من دولة قطر لرد قاس يتناسب مع الوضع. إنني أرى أن نتوقف عن المجاملات ومحاولة الإصلاح، والتحول إلى مهاجم وهي اللغة التي تفهمها دول الحصار، وجيد أن تحتفظ دولة قطر بكرسيها في المجلس الأعلى الذي يتكون من رؤساء الدول الأعضاء، في حين أرى أن تمارس القطيعة والتهميش لكل أنشطة المجلس الأخرى، ورفض أي مبادرة تطرح كعمل جماعي. إن مجلس التعاون الخليجي لا يستطيع أن يتخذ أي قرار في أي موضوع إلا بموافقة الدول الخليجية مجتمعة وذلك كما تنص عليه المادة (9) من النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي "التصويت في المجلس الأعلى: يكون لكل عضو من أعضاء المجلس الأعلى صوت واحد. تصدر قرارات المجلس الأعلى في المسائل الموضوعية بإجماع الدول الأعضاء الحاضرة المشتركة في التصويت، وتصدر قراراته في المسائل الإجرائية بالأغلبية". إن بتر العلاقات مع دول الحصار هو أمر ضروري لنرتاح منهم ونبعد الأذى عن طريق المواطنين والمقيمين. إن هذه المجموعة من الدول يصدق فيهم قول المعتمد بن عباد (آخر ملوك بني عباد في الأندلس) قوم نصيحتهم غش وحبهم بغض ونفعهم إِن صرَّفوا ضرر يميز البغض في الأَلفاظ إِن نطقوا ويُعرف الحقد في الأَلحاظ إِن نظروا وفي الختام نقول إن قطر لا تزال تؤمن بأن اجتماع دول الخليج تحت مظلة مجلس التعاون هو خير وقوة ومنعة لهم جميعاً، وأن قطر لا تزال تحرص على وحدة وتماسك مجلس التعاون، ولكن دول الحصار تنظر للمجلس على أنه وسيلة لتحقيق منافعهم الخاصة، ومن هنا حدث التصادم بين قطر ودول الحصار. إنني أرى أن الابتعاد عن مثل هذه الدول هو خير وبركة، وشخصياً أعتقد أن فراقهم عيد، وأيما عيد، فلقد شهدت قطر في هذه المدة البسيطة من الحصار تنمية شملت جميع الميادين صاحبها انخفاض في مستوى الجريمة وتهريب المخدرات وغيرها من سيئ الأعمال. فسيري يا قطر على بركة الله تحت قيادة سمو أميرنا المفدى، وانفضي عنك غبار الماضي الأسود الذي جمعك في فترة من الفترات مع جيران السوء والغدر. والله من وراء القصد،، [email protected]