17 سبتمبر 2025

تسجيل

سوف نعود إلى القدس وسوف تعود القدس إلينا

01 مارس 2013

لقد كانت فلسطين دوما في قلب الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر، وما زالت كلماته القوية في رسالته التي وجهها لوزير الحربية المصري آنذاك إبان عملية إحراق المسجد الأقصى الآثمة في أغسطس من العام 1969، راسخة في الأذهان وستظل كذلك على مر الأجيال، حيث كتب الزعيم جمال عبد الناصر في رسالته ضمن ما كتب: "إن أنظارنا تتطلع الآن إلى المسجد الأقصى في القدس، وهو يعاني من قوة الشر والظلام ما يعاني، ولسنا نجد أن هناك فائدة في اللوم والاستنكار، وفي النهاية فإنني لم أجد غير تأكيد جديد للمعاني التي كانت واضحة أمامنا جميعا، منذ اليوم الأول لتجربتنا القاسية، وذلك أنه لا بديل، ولا أمل، ولا طريق إلا القوة العربية..".. ولقد قصدنا أن نقتبس عنوان هذا المقال من نهاية رسالته تلك لنستلهم بها بداية الحراك العربي اتجاه فلسطين والمقدسات الإسلامية والعربية في مدينة القدس، والذي لاحت بشائره باستضافة الدوحة للمؤتمر الدولي للدفاع عن القدس الذي انطلقت أعماله الأحد الماضي هنا بالدوحة. لقد بدأ الزعيم جمال عبد الناصر المسيرة الطويلة نحو القدس قائلا: "سوف نعود إلى القدس وسوف تعود القدس إلينا"، وها هو صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني يكمل المسيرة بقوله ضمن خطابه في المؤتمر: "إن العودة إلى القدس لا تتم بالشعارات والخطابات والمؤتمرات، بل بالقيام بواجبنا للدفاع عنها وحمايتها من التهويد والتشويه". إن مواقف القيادة القطرية من القضايا العربية والإسلامية، والترجمة العملية لرؤيتها لمسارات العمل العربي في تشخيص الواقع، وصفت ما عليه الحال في الوقت الراهن، دون محاولة إلقاء التبعات على الآخرين، عندما قال صاحب السمو: "وأستميحكم عذرا في القول إننا جميعا حكام مقصرون في معركة الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية للقدس"، وأضاف سموه: "إنني من هذا المنبر أعلن أن عروبة القدس في خطر داهم وأنها تذوب وتتلاشى، لذا يتحتم علينا التحرك السريع من أجل وقف تهويد القدس ومن أجل ذلك فإنني أتقدم من مؤتمركم هذا باقتراح يرمي إلى التوجه إلى مجلس الأمن بغرض استصدار قرار يقضي بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في جميع الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل منذ احتلال عام 1967 في القدس العربية بقصد طمس معالمها الإسلامية والعربية". ويذكرنا هذا بقول الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في رسالته: "إن هناك نتيجة واحدة، يجب أن نستخلصها لأنفسنا، ويتحتم أن نفرض احترامها مهما كلفنا ذلك، ألا وهو أن العدو لا ينبغي له، ولا يحق له أن يبقى حيث هو الآن". وفي هذا السياق أوضح صاحب السمو أنه ينبغي على الحكومات والدول في الغرب والشرق أن تدرك أن رأيا عاما عربيا قد نهض حاليا وأنه لا يقبل بالعجز جوابا على قضايا الأمة التي تؤرقها منذ أكثر من نصف قرن. وليس غريبا أن يلتقي القائدان في العبارات، لأن العروبة هي هدفهما السامي، كما هي هدف الجميع من الخليج إلى المحيط. وإذا كانت مصر (ناصر) قد سخرت نفسها في الماضي خادمة لقضايا الوطن العربي، فإن قطر (حمد) هي حامية لملف القدس. إن المخاطر التي تواجه الهوية العربية للقدس تستدعي تضافر الجهود العربية والأممية بحسبان القدس مدينة تقبع تحت الاحتلال وتنطبق عليها كافة الأحكام والأعراف الدولية التي تحكم المناطق المحتلة، ونشدد على أهمية أن توجه الدول العربية والإسلامية خطاباتها للرأي العام العالمي كي يقف مع هذه القضية العادلة ووقف ممارسات سلطات الاحتلال في الاعتداء على حرمات القدس، ولا بد لنا أن نؤكد على أن الوضع العربي الحالي لن يستمر وأن الأمة العربية والإسلامية إذا أفاقت من سباتها سيكون لها دور كبير ومسؤولية أكبر، ليس تجاه المدينة المقدسة وما تتعرض له من تحديات ومخاطر جمة فحسب، بل تجاه كل قضايا العالم. ودعا صاحب السمو إلى وحدة الصف الداخلي الفلسطيني باعتباره المدخل الطبيعي لاستعادة الحقوق، "فالنصر المطلوب يأتي بالأيادي المتماسكة"، كما جدد دعوته للقيادة الفلسطينية إلى إنفاذ المصالحة قائلا: "لا معنى ولا جدوى لأي خلاف والقدس الشريف ترزح تحت نير الاحتلال البغيض". إن أهمية المصالحة الفلسطينية الفلسطينية كمقدمة لاستقطاب الدعم العربي والدولي لقضية القدس خاصة والقضية الفلسطينية بصفة عامة، وضرورة تنفيذ كافة بنود اتفاقية الدوحة الموقعة بين السلطة وحماس، إنما يصبان في هدف وحدة الفلسطينيين التي ستؤدي حتما لنيلهم كافة حقوقهم المشروعة المنشودة. ولأن القضية الفلسطينية هي القضية المصيرية لكل العرب وليست قضية الفلسطينيين فحسب، فالمطلوب من أهل الديار الفلسطينية عدم خذلان العرب في جهودهم الرامية لاستعادة الحق الفلسطيني، وذلك بحسم الصراع الداخلي الفلسطيني والعمل بتناغم تام من أجل تحقيق الأهداف، والانتباه والحذر والوقف الفوري والحاسم لمسلسل الخيانة والعمالة والفساد الذي ظل ينهش في الجسد الفلسطيني والذي كاد أن يتسبب في انتكاسة عظيمة ويردي بهذه القضية إلى هوة سحيقة، ولا يخفى على الجميع قضايا الفساد التي طفت على السطح مؤخرا. ويجب على الشعوب العربية أن تدعم الأردن باعتبارها الدولة الوحيدة التي ترعى المقدسات الإسلامية في القدس، حسب اتفاقية السلام الموقعة بين الأردن وإسرائيل، والتي أعطت الأردن حق الإشراف على المقدسات الإسلامية ممثلة بالأوقاف الإسلامية في القدس. وألا ننسَ ما قدمه ويقدمه الأردن لأجل القدس طيلة السنوات الماضية، وأن الأردن ما زال يقف صامدا في مواجهة ما تتعرض له مدينة القدس من عمليات تهويد والمقدسات الإسلامية من انتهاكات واعتداءات. وفي ظل دعوتنا للدول العربية بأن تدعم صمود المدينة المقدسة، فإنه حري بنا دعوة الزعماء العرب لتنفيذ ما قررته مؤتمرات القمة العربية الأخيرة من إنشاء صندوق لدعم القدس بمبلغ نصف مليار دولار، والذي لم يتم تحصيل سوى نحو 37 مليون فقط منه. وأن عمليات الهدم البربرية التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في القدس ما هي إلا هجمة استيطانية شرسة، وتحديات خطيرة تواجه المواطن المقدسي ومخططات تهويدية استعمارية لطمس هوية مدينة القدس العربية، وما تزال الاعتداءات على حرمة المسجد الأقصى المبارك تجري على قدم وساق، فلقد شرع الاحتلال في عمل جسر جديد فوق مسار طريق باب المغاربة بهدف توسيع ساحة الصلاة لليهود على حساب باب المغاربة الذي يعتبر أحد أقدس أبواب المسجد الأقصى ويقع في حائط البراق الذي ربط به سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) دابته ليلة الإسراء والمعراج. كذلك هدمت الجرافات الإسرائيلية العام الماضي بيت ومقر الحاج أمين الحسيني المسمى "فندق شبرد" بحي الشيخ جراح في وسط مدينة القدس بهدف إقامة عشرين وحدة استيطانية لإسكان عائلات يهودية مكان الفندق، كمرحلة أولى من مخطط لبناء ثمانين وحدة استيطانية في المنطقة. إن عمليات الهدم هذه ليست سوى إجراء سياسي لعزل القدس وتغيير الأمر الواقع فيها واستهدافا منظما ومخططا له لمحو قيمة المقاومة التي كان يحملها شخص الحاج أمين الحسيني من ذاكرة المقدسيين. إن إنقاذ هوية القدس، في ظل أوضاع الربيع العربي التي شهدت صعود قيادات جديدة في عدد من الدول العربية تعبر عن تطلعات الشعوب بعيدا عن القيادات التي كبلت الأمة بارتباطاتها الدولية والارتهان لأجندة خارجية غايتها المحافظة على كراسي الحكم وتكريس مصالحها الضيقة. وأوضاع اليوم أشبه بسنوات الستينيات التي استطاع خلالها الزعيم جمال عبد الناصر قيادة الأمة تحت زعامته الكاريزمية ورؤيته القومية، ويذكر تاريخنا العربي القريب كيف نجح الزعيم الراحل في إلهاب مشاعر الشعوب العربية وتوحيد كلمتها. وما أجدر بكلمات صاحب السمو أن تجد آذانا صاغية من الخليج إلى المحيط بعد أن تحررت الشعوب العربية على وقع ثورات الربيع العربي وشعاراتها التي جاءت تعبيرا صادقا عن أحلام وتطلعات هذه الشعوب، وهذا ما أكده صاحب السمو في خطابه حينما قال: "هل يعقل أن الشعوب التي لم تعد تصبر على الضيم في داخلها سوف تقبل بظلم الاحتلال؟". رئيس تحرير جريدة البننسولا [email protected]