13 سبتمبر 2025

تسجيل

عنف النظام السوري والنتائج العكسية

01 فبراير 2012

ليس للموت في سوريا شكل واحد، ولا يبدو أن لسقفه حد، طالما أن هناك نظاما تجاوز في عنفه لقمع ثورة شعبه كل الحدود، وفاق في جرائمه أعتى النظم الديكتاتورية الظالمة عبر التاريخ بكل أدوات بطشها الدموية، دون التورع عن شرعنة قتل أبناء بلده - لمجرد رفضهم لاستمرار ظلمه - أو تبرير إراقته لدمائهم الطاهرة الزكية جهارا نهارا على ألسنة أرفع مسؤوليه، دونما حياء. في الجمعة الماضية صرنا نتحدث عن "الموت المئوي" - إذا جاز المصطلح وصح التعبير - لأن عدد الشهداء قد تجاوز المائة، نعم مائة شهيد في يوم واحد، بينهم أكثر من عشرة نساء وأطفال، وصرنا نخشى من الأعظم في أيام الجمع القادمة. وخلال الأيام الماضية وقفنا على نوع آخر للموت على يد سفاحي النظام وماكينة قمعه الشرسة، ألا وهو "الموت العائلي"، وحق الملكية الفكرية لهذا المصطلح للصحفي المتميز في قناة الجزيرة: ماجد عبد الهادي، والإشارة هنا إلى العمليات التي راح ضحيتها عائلات بأسرها، كما حدث لعائلة بهادير بحي الزيتون - حمص (استشهاد 14 شخصا من هذه العائلة بينهم أربعة أطفال) نتيجة لتدمير البيوت على رؤوس أهلها وانهيار المباني المقصوفة، واستشهاد عائلة معارض سوري في مدينة اللاذقية (4 أطفال وأمهم) في عملية حرق لمنزلهم. وهناك المجازر التي لم تتوقف وآخرها مقتل 15 مزارعا في "سيزر" بريف حماة وهم يعملون في حقولهم (الأحد الماضي). ومنذ ما يزيد على عشرة أشهر من عمر الثورة السورية كان للأطفال نصيب وافر من عدد الشهداء الذي تجاوز عددهم 7000 شهيد على أقل تقدير، فقد ذكر صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) قبل أيام قليلة أن ما لا يقل عن 384 طفلا قتلوا خلال الانتفاضة السورية المستمرة، وأن عددا مماثلا لهم قد اعتقلوا، وتعرضوا للتعذيب، وتم التمثيل ببعضهم أو سرقة أعضائهم بعد وفاتهم، فيما بلغ عدد الضحايا من النساء عن نفس الفترة 316. وتيرة قتل النظام لشعبه تصاعدت، ومواكب الجنائز الجماعية للأبرياء ازدادت في الآونة الأخيرة، والأمر على صلة وثيقة بخطاب بشار الأسد الأخير الذي أعلن فيه أن الحل الأمني هو خياره الأول لمواجهة إرادة الجماهير، وتأكيده أنه سيضرب معارضيه بيد من حديد، وبتأكيد وزير خارجيته بأن الحل القمعي أصبح مطلبا شعبيا، وإعلان وزير داخليته مؤخرا أن أجهزة وزارته ماضية في "تطهير" البلاد من "رجس المارقين والخارجين عن القانون"، في إشارة غير خافية إلى المتظاهرين والمحتجين السلميين. لكن النظام ومع اقتراب الثورة السورية من إكمال عامها الأول بثبات وعزيمة وإصرار لم يفهم الدرس بعد على ما يبدو، وهو يتجه إلى نهاية مشابهة لنظام القذافي، بسبب إصراره على العنف، ورفضه للحلول السياسية التي اقترحتها الجامعة العربية عليه، والتي كانت يمكن أن تشكل مخرجا آمنا له، كما حصل مع علي عبد الله صالح. لقد أدت سياسة العنف والقتل المفرط للنظام إلى نتائج عكسية على مستوى حراك الثورة السورية وعلى المستوى السياسي الداعم لها ويتضح ذلك مما يلي: ـ توسع النطاق الجغرافي للثورة وصولا إلى حلب المدينة، بعد أن تأخرت مدة تصل إلى عشرة أشهر، ولهذه المدينة أهميتها كونها أكبر المحافظات السورية (عدد سكانها 5.3 مليون نسمة، ومركز الصناعة والتجارة بسوريا). ـ عودة مدن قمعها النظام بقوة للحراك من جديد كما في حماة - وقبلها درعا - بعد أن ظن أنه بالقوة والبطش يمكنه وقف حركة احتجاجاتها. ـ اتساع وتيرة الانشقاقات في الجيش السوري، وانفلات زمام الأمور من يديه في السيطرة على بعض المناطق، بما فيها القريبة منها إلى العاصمة (إغلاق الطريق المؤدي لمطار دمشق الدولي بسبب اشتباكات بين الجيش الحر وقوى النظام، لمدة ساعة ونصف الساعة الأحد الماضي)، وازدياد بأس وعمليات الجيش الحر الناجحة، وبخاصة في ريف دمشق، واضطرار النظام للدخول في مفاوضات معه، كما في الزبداني، وتوقعات بتغيير الموازين لصالح الثورة بصورة متسارعة خلال الفترة القادمة. ـ قرار السعودية سحب مفتشيها من عداد فريق الجامعة العربية، تلتها دول مجلس التعاون الخليجي، فالمغرب، وصولا إلى قرار الجامعة العربية بتعليق عمل المراقبين بسبب تصاعد العنف وعدد الضحايا في سوريا في الأيام الأخيرة. ـ تحرك الجامعة للحصول على دعم الأمم المتحدة لخطة سلام حظيت بإجماع عربي، وتتضمن تنحي الرئيس بشار الأسد عن الحكم، حيث تتوجه الأنظار دوليا إلى مجلس الأمن الذي قد يصوت منتصف هذا الأسبوع على مسودة قرار صاغته الجامعة العربية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. ما ينبغي أن يفهمه النظام أن الشعب السوري لم يعد يخشى الموت، على أي جنب كان، وبأي لون يرسم، وأنه أيقن أنه لا عودة عن مواجهة الطغيان والاستبداد مهما بلغت التكلفة، شعاره "الموت ولا المذلة"، لذا فإنه عازم على استكمال مشروعه الثوري طال الزمن أم قصر، وله كبير ثقة بالله أن الحقّ سينتصر على باطل النظام طال الزمن أم قصر، وأن فشل الحل الأمني للنظام بدت تلوح معالمه في الأفق، رغم كل عنفوان بطشه. موقناً بأن النصر صبر ساعة.