16 سبتمبر 2025
تسجيلطوال عملى الصحفى على مدى سنوات طويلة – سواء فى الصحافة الأليكترونية أو الورقية – لم أكتب فى السياسة مطلقا .. ربما لأننى لا أحب ذلك ولا يستهوينى فى السياسة إلا أن أكون مجرد قارئ فقط .. برغم حرصى الشديد على متابعة كل ما يجرى على الساحة من أمور سياسية . واليوم أجد نفسى أعزائى القراء مدفوعا للخروج عن هذه القاعدة .. فالكل يعلم الأزمة الحالية بين مصر وقطر والتى استمرت لعدد من السنوات .. وحمدا لله أن هناك من بين القادة العرب من يتمتعون بالحكمة ورجاحة العقل .. وفى مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين جلالة ملك السعودية الذى رأى أن من صميم واجبه رأب هذا الصدع الذى يشكل شرخا فى جدار البنيان العربى . كان من الطبيعى أن تكون هناك مراحل لمحاولة الصلح هذه .. بداية من الإستماع إلى وجهات النظر المختلفة .. وجس نبض الأطراف .. ولابد أن يكون ذلك على مستويات متعددة ولفترات طويلة . ولأنه لا يوجد إنسان عربى مخلص لعروبته يرضى بوجود ذلك الشرخ .. بالإضافة إلى توافر حسن النوايا من أطراف الخلاف .. فقد تعهد أمير قطر الشاب بالعمل على كل ما من شأنه إصلاح الأمور بين البلدين .. معتبرا – وهذه حقيقة تؤمن بها كل الشعوب العربية – أن مصر هى الشقيقة الكبرى للدول العربية .. وأن أمن مصر هو أمن للعرب .. والعكس صحيح .. وحمدا لله أن فى مصر قيادة حكيمة واعية .. متمثلة فى الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسى الذى يلقى حبا جارفا من جموع المصريين .. بالإضافة إلى التأييد الكاسح والغير مسبوق منذ أيام الزعيم الخالد جمال عبد الناصر .. هذه القيادة أيضا لم تمانع فى قبول المساعى المبذولة فى هذا الصدد . إلى هنا لا يوجد جديد فى الأمر .. وكل ما سبق يعلمه الجميع .. ولكن تبقى شهادة من عاش فى قطر مثلى .. فقد عشت هناك لمدة ثمان سنوات .. أعتبرها من أجمل وأحلى سنوات عمرى .. وكذلك الأمر بالنسبة لعائلتى وكل من أعرف من الأصدقاء . الناس هناك فى غاية الطيبة والبساطة .. سواء أغنى الأغنياء .. أو متوسطى الحال .. والكل يتعامل ب " شياكة " وإحترام مع كل من يعيش بينهم .. وعلى أرضهم .. والكل يعرف أن من جاء إلى قطر فهو صاحب فضل .. وقد جاء ليعمل .. ليعالج أبناء الشعب القطرى أو يعلمهم .. أو يشيد المبانى ويمهد الطرق من أجلهم .. إلى آخر المهن الشريفة التى من الممكن أن يأتى من أجلها الناس من بلادهم للعمل فى دول مثل قطر .. ومن الطبيعى أن يكون ذلك مقابل أجر مجز يساعدهم على العيش الكريم والإدخار لحين العودة إلى بلادهم وموطنهم الأصلى . وفضلا عن ذلك فإنه لا توجد تعقيدات أو مبالغات بسبب الأمن كما هو الحال فى بعض البلاد الأخرى .. وسأسوق مثالا واحدا للتدليل على هذا الرأى .. فقد حضرت أحد المؤتمرات في قاعة بأحد الفنادق الكبرى فى الدوحة .. كان المؤتمر عن حقوق الإنسان ويجلس على المنصة الرئيسية السيد سليم الحص رئيس وزراء لبنان الأسبق إلى جوار سمو الشيخة موزة رائدة العمل النسائى والإنسانى هناك .. وعندما وصلت إلى الفندق وجدت كل الأمور هادئة .. ولا شئ سوى الإجراءات العادية فى تأمين الفنادق فى كافة الأوقات .. ووجدت مكانا فى الصف الثانى من القاعة .. وبعد قليل إكتشفت أنه تجلس أمامى مباشرة إحدى بنات أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة .. وكل شئ عادى وهادئ .. لولا تلك المبالغات من مصورى الصحف فى التقاط صور للشيخة موزة والأميرة الشابة .. وبعد إنتهاء المؤتمر كان " البوفيه المفتوح " .. والشيخة وبنت الأمير تأكلان مع من حضر وتتحدثان فى بساطة وبدون تكلف .. وعند الإنصراف كانت الحراسة كلها حول رئيس وزراء لبنان الأسبق .. أما الشيخة فقد إنصرفت فى سيارة يركب فيها أحد ضباط الحراسة إلى جوار السائق وتتقدمهم سيارة شرطة واحدة .. ولا شئ غير ذلك .. نسيت أن أقول أن الأميرة الشابة إنصرفت فى سيارة قادتها بنفسها دون أى حراسة . أما عن التحيز لمواطنيهم ضد الأجانب والوافدين من قبل بعضهم البعض .. أو من قبل الشرطة والسلطات بشكل عام – وهذا موجود بالفعل – وعايشته بنفسى فى دول خليجية أخرى .. ولم يحدث مرة واحدة أن تعرضت أو تعرض أحد معارفى أو أصدقائى لموقف سخيف فى الشرطة أو المرور أو أى جهة حكومية بغير مبرر سوى أن هذا مواطن وذاك " أجنبى " برغم كونه مواطنا عربيا كما هو الحال فى الدول الأخرى التى أشرنا إليها حالا . أما عن حب الشعب القطرى لمصر والشعب المصرى فالأمر يحتاج إلى صفحات وصفحات .. والكل يود أن يُعالج عند الطبيب المصرى .. وأن يتعلم أولاده على أيدى المعلم المصرى وهكذا .. ودائما يكون اختيار المصرى فى البداية .. ثم تأتى سائر الجنسيات الأخرى بعد ذلك . هناك أيضا دليل آخر على ذلك الحب للجالية المصرية التى تعيش فى قطر وهو تخصيص قطعة أرض فى حدود أربعين ألف مترا مربعا لتشييد مدرسة مصرية لأبناء العاملين هناك من الجالية المصرية .. هذا بالرغم من تأخر أبناء الجالية فى البناء مما دفع السلطات لسحب التخصيص طبقا للقوانين القطرية .. ولكن سمو الأمير السابق حمد بن خليفة – والد الأمير الحالى – أصدر مرسوما أميريا بإعادة التخصيص . هذه شهادة حق أقولها لوجه الله تعالى .. مع دعواتى أن يكلل الله جهود الصلح بالنجاح . وإلى لقاء قادم بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين e mail : [email protected] [email protected]