10 أكتوبر 2025

تسجيل

ارحموا عيالكم من الضغوط

31 ديسمبر 2019

قطع العام الدراسي في بلداننا نصف المشوار، وما هي إلا أشهر قليلة ويبدأ موسم القلق والخوف والتوتر والإحباط وكافة أشكال الضغوط النفسية والإجهاد البدني، بسبب امتحانات نهاية العام الدراسي، وخاصة تلك المتعلقة بالانتقال من المرحلة الثانوية إلى الجامعية، وستدور مطحنة الامتحانات المدرسية - وهي أسخف ابتكار للجنس البشري- وكالعادة سيحتار ملايين الصغار والشباب حول أفضل السبل لاستذكار الدروس؛ ثم يكتشف الجيل تلو الآخر أنه ليس هناك طريقة نموذجية «للمذاكرة»، بينما هناك عشرات النظريات حول الموضوع، الذي يبقى كقضية الشرق الأوسط، محل تنظير وتشطير دون أن يكون هناك إجماع حول طريقة حلها (وأصلا: ما هي قضية الشرق الأوسط؟ وهل «عنده» قضية؟ أم أنها اسم الدلع للقضية الفلسطينية؟) فيما يتعلق بالمذاكرة هناك من يكتفي بثلاث ساعات يوميا من مراجعة الدروس ويحرز أفضل النتائج، وهناك من يذاكر لثلاث عشرة ساعة يوميا ويرسب في الامتحانات بتقدير ممتاز، وأخوض في هذا الموضوع في كل عام، لأنني أب، ولأنني صاحب خبرة لا بأس بها في مجال التدريس، ولأنني يوما ما كنت طالبا وعانيت كثيرا من الامتحانات وأجوائها الكئيبة، وكنت وما زلت أكره الامتحانات وسنين الامتحانات (عندما خضعت لاختبار قيادة السيارة كان معي في نفس السيارة المستخدمة لاختبار قدراتنا شخص مصري، وبعد ان تولى القيادة لبعض الوقت قال له الشرطي المشرف على الاختبار انه راسب لأنه لا يُحسن السيطرة على السيارة، فصاح المصري بعفوية: نعم يا خويا؟ أنا سقت سيارة في القاهرة سبع سنوات؛ واللي يعرف يسوق في القاهرة يقدر في غيرها يسوق دبابة بدون ما يعمل حادث، فضحك الشرطي وقال له: خيرها في غيرها) لم يكن أبناء جيلي يتعرضون لنفس الضغوط النفسية والاجتماعية التي يعاني منها جيل الشباب المعاصر في المدارس، لأنه لم يكن هناك من يطالبنا بأن نسعى لدراسة الطب او الهندسة، كما هو الحال الآن حيث يسعى كل بيت لأن ينجب طبيبا ومهندسا أو أكثر (حسب عدد العيال). شخصيا لم يكن أبي يعرف ما إذا كنت في الصف الثاني الثانوي أم في الثالث المتوسط، وبعد أن بلغت السابعة عشرة سألني: أما لدراستك هذه نهاية؟ إلى متى ستظل تدرس؟.. كان يسمعني أشكو لشقيقي الأكبر عن معاناتي مع الماث (الرياضيات) والفيزكس (الفيزياء) – وكنا ندرس جميع المواد العلمية والأدبية بالإنجليزية – فكان يقول بكل حنان الأب: سيبك (دعك) من وجع الرأس وركز على الحساب والقراية والكتابة (ولو كان يعرف أن الحساب هو نفس الماث الذي كان يسبب لي الالتماس الكهربائي والالتباس، والاحتباس الحراري، تضخم البروستات لأخرجني من المدرسة).. كان الضغط الوحيد الذي كنا نعاني منه هو «الحافز والدافع الذاتي للنجاح»، أي أن الأهل لم يكونوا يشحنوننا ويضغطوننا لنصبح – مثلا -»علميين» بالعافية كما يحدث مع جيل الشباب المعاصر، وكنت وبرغم مخي الذي كان يتمتع بحصانة ومناعة ضد الرياضيات أحرز نتائج أكاديمية طيبة لأنني كنت «أجيب الفرق» في المواد الأخرى. طيب قد تسألني كأب: كيف تساعد عيالك على المذاكرة؟ أو ما هي إرشاداتك لهم؟ والإجابة: أقول للواحد منهم «ذاكر» قبل وقت كاف من تاريخ بدء الامتحانات، ولا أستطيع أنا ولا يستطيع غيري من الآباء التأكد من أن عيالهم يعملون بتوجيهاتهم ويذاكرون الدروس، فإمساك شخص ما بكتاب ليس دليلا على أنه يقرأ ما فيه، وحكى لي أكبر أولادي أنه عندما كنت أطلب منه الابتعاد على التلفزيون لمذاكرة دروسه أنه كان يغلق باب غرفته عليه، ويفتح كتابا أمامه، ثم يفعل أي شيء غير المذاكرة، «نكاية» بي! وأنه كان يذاكر بجدية فقط عندما لا يتلقى أمرا بذلك، أي أنه كان يذاكر بالدافع الشخصي الذاتي، لأنه كان يدرك أن النجاح الأكاديمي هو جواز سفره إلى حياة عملية مجزية، وكان يتمرد على المذاكرة عندما تكون هناك فرمانات من الفك المفترس الذي هو أنا... الأب. [email protected]