19 أكتوبر 2025

تسجيل

واشنطن لديها حليف قوي وحليف هش!

31 ديسمبر 2018

أصاب الصحفي المفكر الأمريكي (توماس فريدمان) عين الحقيقة حين كتب الأسبوع الماضي يقول: « ثبت اليوم أن واشنطن لديها حليف قوي هو تركيا وحليف هش هو المملكة السعودية وذلك بمناسبة سحب (ترامب) للجيش الأمريكي من سوريا وتوجيه الدعوة الرسمية للرئيس أردوغان لزيارة واشنطن خلال السنة القادمة وبالطبع فإن للولايات المتحدة أولويات في التعامل مع شركائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في كل قرار يتخذه البيت الأبيض كما نص عليه ميثاق الحلف منذ تأسيسه 4 أبريل 1949 ولكن خاصة منذ اندلاع أزمات الشرق الأوسط العديدة وتدخل القوى العالمية والإقليمية في سوريا. الصراع الراهن حول الملف الكردي استدعى من (ترامب) إعادة حساباته حيث اقترح الرئيس أردوغان على الحليف الأمريكي ضرورة احترام المصالح العليا للدول الأعضاء في الناتو لأن التهديد الروسي المتفاقم يشكل خطرا على مناطق نفوذ الغرب والناتو في الشرق الأوسط مع مخاطر دخول الصين على الخط كما هو شأنها في الملف الكوري ولا يغيب عن الأذهان أنه من ثوابت العقيدة الأمريكية الاستراتيجية منذ سنوات الخمسينيات وعهد (دوايت إيزنهاور) اعتبارعودة تشكل دولة كردستان ضرورية لأمن الولايات المتحدة وهو ما سعت اليه الدبلوماسية الأمريكية دائما لكن المصلحة التركية اليوم تبدو لمهندسي السياسة الخارجية الأمريكية متقاطعة مع مصلحة واشنطن ومن أجل هذه الحقيقة كتب (توماس فريدمان) بأن الحليف القوي هو تركيا بمقابل الحليف السعودي الهش فقد حانت ساعة الاختيار الحاسم الصريح بين أنقرة والرياض خاصة وقد تعزز رأي (فريدمان) برأي زميله الروسي المعروف (فلاديمير شيرياكوف) الذي أكد هذا الموقف الأمريكي الجديد على صحيفة (تيزاف غازيتا) معلنا عما سماه عهدا جديدا في الشرق الأوسط يتميز بتهدئة الأكراد وتخفيف حدة مطالبهم لأنهم خائفون من تخلي واشنطن عن قضية استقلالهم ابتداء من العراق وصولا الى سوريا وإيران فيما تتخبط الرياض ومعها أبوظبي على ألسنة شبه رسمية مغردة في أوهام عزل الرئيس أردوغان وشطب الدور التركي من المنطقة بعد أن انكشف مخطط يمول سعوديا وإماراتيا لتأليب أكراد سوريا واستخدامهم في عدائهم لتركيا ومعلوم أن السفير الإماراتي راشد محمد المنصوري هو من هندس ونفذ هذا المخطط حيث لعبت الإمارات زمن تقلد القنصل العام المنصوري مهامه في إقليم كردستان دورا لوجستيا وماديا وسياسيا في دعم انفصال اقليم كردستان عن العراق وقد عرف الإقليم استفتاء في 25 نوفمبر 2017 بهدف الانفصال عن العراق وتأسيس دولة كردية. الدولتان الوحيدتان اللتان نادتا بدعم تأسيس دولة كردستان هما السعودية والإمارات وقد تداولت مواقع اعلامية عالمية خبر تواجد القنصل العام راشد المنصوري بأحد مكاتب الاقتراع في منطقة عين كاو وتداولت لقاءه بمديره والتقاطه صورًا مع مواطنين مقترعين يوم اجراء استفتاء تقسيم العراق ونفس المنصوري عين هذا الأسبوع سفيرا في تونس (ستر الله تونس!) وحين نحلل ما وراء سحب الالفي عسكري أمريكي من سوريا ندرك أن (ترامب) رغم استقالة (ماتيس) وزير دفاعه أوكل أمر مقاومة داعش الى أنقرة بالتنسيق مع البنتاغون وأن المعارضة السورية بكل أطيافها رحبت بمغادرة احد الجيوش الأجنبية للأراضي السورية من حيث المبدأ لأن كل سوري وطني يتمنى أن يحل السوريون وحدهم معضلات بلادهم دون أي تدخل أجنبي لكن أنقرة تعتبر أمن تركيا وأمن الإقليم كله مرتبطين بمستقبل سوريا وهي حريصة على ألا يتفاقم الخطر الداعشي ولا التطرف الكردي على منطقة شرق الفرات فيتمدد نوع خطير من الإرهاب في مناخ أزمة سورية مستمرة منذ سبعة أعوام دون بصيص أمل لحل وطني سوري في ظل تواجد قوة روسية نجح الرئيس أردوغان في تعديل تواجدها باتفاق موفق مع بوتين أثناء مقابلات مباشرة بين الرئيسين كان اخرها في الأرجنتين بمناسبة انعقاد قمة العشرين. ثم عندما نقرأ في إعلام سعودي وإماراتي يغرد بأن «أردوغان خضع لإملاءات أمريكية تلتزم بمقتضاها السلطات التركية بطي صفحة الجريمة النكراء في القنصلية السعودية» نشعر بالشفقة على مروجي هذه الأكذوبة حين نسمع من فم السيد جاووش أوغلو وزير الخارجية التركي في مؤتمره الصحفي في تونس الأسبوع الماضي صحبة نظيره التونسي تأكيدا على أن ملف اغتيال جمال خاشقجي جاهز لدى المدعي العام التركي وأن النية تتجه لتقديمه الى مجلس الأمن حتى يكلف محكمة الجنايات الدولية بالتحقيق ومحاكمة المجرمين ومن أصدر لهم أمره ومن ساعدهم. الأيام القليلة القادمة سوف تؤكد لهؤلاء المدافعين عن الباطل بأن الرئيس أردوغان سيظل الحليف الناجع لأمريكا القيم والمبادئ والسلطات النافذة أما الاخرون فحلفاء رجل أمريكي مفرد تلزمه بنود الدستور الأمريكي أولا وأخيرا بالتصرف كرئيس لإدارة ديمقراطية ذات أجنحة متعددة تراعي المصالح العليا الدائمة للولايات المتحدة وليس مصالح عابرة لأطراف أجنبية أخطأت التقييم !.