10 سبتمبر 2025

تسجيل

الدولة الصالحة في عصر ابن خلدون وفي عصرنا !

02 أغسطس 2024

عندما أتأمل بصدق وموضوعية ما بلغته دولة قطر من درجة الصلاح أتذكر ما كتبه العلامة عبدالرحمن بن خلدون في الدولة وشرح كل ما يتعلق بتسييرها خاصة بمعطيات اليوم ونحن في 2024 من توفير مرافق الأمن والصحة والنقل والتعليم لكل من يعيش على تراب قطر من مواطنين يحملون جنسيتها ومقيمين يعملون في سائر إداراتها الرسمية أو شركاتها الحرة لا فرق بين هذا وذاك في كل شؤون حياتهم اليومية ومساراتهم المهنية، وهو ما دعاني للرجوع لكتاب العلامة حول معنى الصلاح ومطابقة دولة قطر بفضل حكمة قيادتها لهذه المعاني. فعبارة (الدولة الصالحة) استعمله (كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر) للعلامة عبدالرحمن ابن خلدون الذي كتبه سنة 1408 حتى يؤكد في باب الدولة أسباب نشوئها وانهيارها، قائلا بأن الدولة تقام على ما سماه في عصره بالعصبية وأول شروط بقائها ومنعتها هو الحضور المستمر في خدمة شعبها وخاصة في زمن العسرة مثل الجوائح والأوبئة والغزو الخارجي والفتنة الداخلية والزلازل والطوفان والمجاعة والجراد ولكن صلاحها رهن حصري على عدل صاحب الملك يقول ابن خلدون: “يكون صاحب الدولة الجامع لشوكة العصبية أسوة قومه لا ينفرد عنهم بامتيازات بل يكون أكثرهم تضحية وشجاعة وإقداما لأن ذلك هو مقتضى العصبية التي وقع بها الغلب وهي لم تزل على حالها في هذا الطور. وهو لا ينفرد دونهم بشيء. فبهم يقارع حتى من خرج عن طاعته، ومنهم من يقلده أعمال مملكته ووزارة دولته وجباية أمواله لأنهم أعوانه على الغلب وشركاؤه في الأمر لأن حكم الدولة الصالحة كما سماها العلامة هي التي يجدها من نسميهم اليوم مواطنوها في أوقات الشدة التي يسميها ابن خلدون (العسرة) فترى الرعية منقادة للراعي لأنه يتمسك بأن يكون قائدها ورائدها وحاميها دون أن يتميز عن شعبه أو يسرق منهم حقوقهم وأموالهم من خلال ما نسميه اليوم (الضرائب) أو ما طرأ على بعض دول العالم من فساد مؤذن بخراب الدولة!. ويحلل العلامة مرحلة القوة والتمكن في الدولة فيقول: «طور الصعود والعظمة: يتميز هذا الطور الثاني بخصائص مناقضة للطور الأول فبدلا من “خشونة البداوة” التي انبثقت منها العصبية أول يوم تبدأ “رقة الحضارة” وبدلا من الروح الجماعية والوحدوية والانسجام تبدأ الفردانية والأنانية وعوضا عن اعتماد صاحب الدولة على قبيلته وعشيرته ويلجأ للموالي والمصطنعين (نسميهم اليوم المرتزقة) فيأخذ في الاعتماد عليهم والاستغناء عن العصبية التي مكنت له أول الأمر ومن هنا يبدأ المرض المزمن والداء العضال الذي سيؤدي ولو بعد مراحل لفناء دولة العصبية وانهيارها وإذا أوجزنا تعريف العلامة للدولة نقول: «تعريف ابن خلدون للدولة: يُعرِّف ابن خلدون الدولة بأنَّها - بمصطلحات علم الاجتماع الحديث -: « كائن حي له طبيعته الخاصة به، ويحكمها قانون السببية وهي مؤسسة بشرية طبيعية وضرورية وهي أيضاً وحدة سياسية واجتماعية لا يمكن أن تقوم الحضارة إلا بها» من خلال هذا التذكير الموجز برأي ابن خلدون في معنى الدولة وشروط قوتها أردت أن استعرض نماذج معاصرة من الدولة الصالحة في بلاد المسلمين وغير المسلمين خاصة والعالم يمر بهذه المرحلة غير المسبوقة من (العسرة) المتمثلة في انتشار وباء كورونا فأجد أمامي نماذج ساطعة من أصحاب الدول الذين وفقهم الله الى خدمة شعوبهم وصيانة أرواح مواطنيهم وكسب القلوب التي ألفها الله حولهم فأيدتهم وأطاعتهم في الحق وكانت دولتهم من ذلك الصنف الذي حلله العلامة ابن خلدون (في بداية القرن الخامس عشر م) ولم ينافسه في علومه أحد منذ ذلك التاريخ الى اليوم حيث شهد له العلماء من أدنى الأرض الى أقصاها بأنه رحمه الله (وهو خريج جامعة الزيتونة التونسية التي تعلمت فيها أنا بعد قرون خمسة) فكان مؤسس علم الاجتماع السياسي ومؤسس فلسفة التاريخ ومبتكر نظريات تداولتها الجامعات لمدة ستة قرون أبرزها نظرية نشوء الدولة وأطوار نضجها وهرمها وبعد ذلك فناؤها تماما كما حددها الله سبحانه في كتابه المجيد ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾. صدق الله العظيم. فالقرية هنا بمفهوم الأمة أو الدولة وحين كفرت بأنعم الله (لا بنعمة واحدة) بعد أن كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله وأذاقها الله سبحانه لباس الجوع والخوف جزاء ما كانوا يصنعون. أما الدول الصالحة اليوم بالمعنى الخلدوني فهي أمام أعين العالم وأولها الجمهورية التركية التي سخرت كل إمكانات الدولة من أجل صحة وأمن شعبها، ودولة قطر التي أفاضت بخيرها على الشعوب المنكوبة فأرسلت معوناتها الى إيطاليا والصين وفلسطين ولبنان حتى توجهت لها المنظمات الأممية بالتقدير وكذلك دولة كوريا الجنوبية التي ابتكرت أساليب جديدة وناجعة لخدمة مواطنيها الى جانب تايوان والسويد ورواندا التي قدمت مثل النجاعة وتطويق الأزمة وإدارتها باقتدار. هذه هي الدول الصالحة حسب رأي ابن خلدون في زمن العسرة. ولنا في الفكر الخلدوني أروع ما ينير طرقات الحاضر ومن الحكمة ما يشرح صدورنا للحقيقة.