31 أكتوبر 2025

تسجيل

هوية الأمة

31 ديسمبر 2015

إن الأمم تقاس بما لها من مرجعية ثابتة وأسس راسخة وحضارة مشرقة وعلم يورث، فتكون لها العزة والغلبة. فعندما كانت هوية الأمة بارزة واضحة محل عزة وافتخار كانت لها الريادة والقيادة وهابها أعداؤها، وسارت رايات الإيمان ناشرة لدين الله في أصقاع المعمورة ومات كثير من أصحاب رسول الله في بلاد متفرقة بعيدة نشرا لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوة إلى دين الله، فسعدت تلك البلاد المفتوحة بعدل المسلمين سواء من دخل فيه ومن بقي على دينه من أهل الذمة والعهد ، ولما ضعفت هوية الأمة وابتعدت عن حقيقة دينها ومنهج حياتها، أصبحت ذيلا لأعدائها لا يهتم بها ولا يخاف منها ولا يعتبر لها أى رأي، فقد اختص الحق سبحانه وتعالى أمة الإسلام بالقرآن العظيم والحبل المتين الذي أنزله الله تعالى تبيانا لكل شيء، وهاديا للتي هي أقوم فشمل أسس الأحكام وكليات الشريعة وقواعد الملة، فجعل من خصائص الدين شموليته في تناوله للأمور من جميع زواياها وأطرافها ومقوماتها، فهو تصور كامل وشريعته شاملة وواضحة يتسم بيسر المنهج وصفاء السريرة.فالهوية الإسلامية هي التي دعت إلى الصدق والأمانة والوفاء بالعهود والوعود وجعلت الوفاء بالعهد دينا وحضت على مكارم الأخلاق وأحسنها وجعلت الصدق من البر الذي يهدي إلى الجنة والكذب من الفجور الذي يهدي إلى النار، فهوية أي أمة هي ذاتها ووجودها وقد تحددت هوية الأمة الإسلامية منذ بدأت أنوار القرآن الكريم وهدايته تتنزل على سيد الخلق صلى الله عليه وسلم عندما خصت هذه الأمة بالقراءة والعلم والمعرفة والحرص على الاستعانة بالخالق سبحانه وتعالى في التوصل لمعرفة أسرار الخلق بداية بقوله تعالى:(اقرأ باسم ربك الذي خلق) العلق:1، فقد تحددت هذه الهوية بالأسوة التي كان يقدمها الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة، مما جعل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يقف أمام النجاشي في الحبشة يصف هوية الإسلام بقوله: كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام والأوثان ونأكل الميتة ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف حتى جاءنا من نعرف صدقه وأمانته فدعانا إلى عبادة الواحد الأحد وإكرام الجار والأخلاق الفاضلة، فاتضحت صورة الهوية الإسلامية في أجل صورها وأنصعها يحملها الصحابة الكرام في قلوبهم وتنطلق ألسنتهم مدوية بها لتسمع العالم أجمع،عندما يقف ربعي بن عامر رضي الله أمام جبروت كسرى وطغيانهم معلنا لهم مبادئ الدين السمحة وهويته الحقيقية قائلا:إن الله جاء بنا وابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فهدي الدين الحنيف يعد انطلاقة للحياة على الأرض وليس مجموعة من الكلمات والتعاليم التي تضمها الأوراق أو تتناقلها الألسنة، فهو وحدة متكاملة الأجزاء لا تنفصم ولا تتقطع أوصالها بل يشمل الاعتقاد في الضمير والتنظيم في الحياة بترابط وتداخل لا يمكن فصله أو تقطيعه لأن فصله تمزيق وإفساد للدين، فقد حبا الله تعالى أمة الإسلام بخصائص عظيمة وبمنح كريمة حيث جعلها مميزة من بين سائر الأمم، فكان ذلك خيرا لهم وسببا لحفظ كرامتهم والمحافظة على هويتهم وأمانا لهم من التميع والذوبان في المجتمعات الأخرى والمؤهلة لهم أن يصبحوا قدوة للعالم وقادة الأمم، ما تمسكوا بها عن إخلاص لله تعالى على الوجه الذي شرع وأخذوا الحيطة والحذر من لبسها بالأهواء والبدع وأدركوا نعمة الله تعالى عليهم، فحمدوا العلي الخبير على ما هم فيه وأدركوا عظم مسؤوليتهم عنها ولم يغفلوا عن العمل في سبيل رفعة أمتهم.