26 سبتمبر 2025

تسجيل

لماذا تُستهدف قطر بالافتراءات قبل كأس العالم؟

31 أكتوبر 2022

غريب أن تبلغ (حملة الافتراءات) مرحلة تحول الإشاعات الفيسبوكية الى وزيرة أوروبية مما جعلت دولة قطر تحتج بصورة دبلوماسية حازمة ومع قطر تحرك الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج والمجلس الكندي لحقوق الإنسان ومنظمة التضامن العربي في أوروبا للتنديد بتصرف يتيم خرق الأعراف الدبلوماسية ولم يحترم بنود معاهدة فيانا للعلاقات الدولية لعام 1961. ولكن بعض الأصوات الغربية النزيهة تكلمت وأنصفت الحقيقة وأدانت العنصرية ومنها ما جاء بقلم الكاتبة (كريستال إيه إينيس) البريطانية التي سلطت الضوء على أسباب استهداف قطر بالذات عبر اتهامها باستغلال العمالة المهاجرة بينما يواجه هؤلاء العمال في كل أرجاء العالم، من الشرق إلى الغرب، أوضاعاً بائسة ويتعرضون للاستغلال بل بالعكس فإن التشريعات التي سنها حضرة صاحب السمو أمير قطر لصيانة حقوق العمال جاءت بشهادة الجميع رائدة وجذرية، وقالت إينيس في مقال لها نشرته "ميدل إيست آي"، وترجمته "عربي21" إن الاستفراد بقطر وخصها بموضوع استغلال العمال دون غيرها يسمح للمراقبين بتجاهل الانتهاكات على المستوى العالمي وكأنها شيء يخص مجتمعات وثقافات شعوب الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن النموذج القاطع على ذلك هو كيفية الانتشار كالنار في الهشيم لخبرغير دقيق بل ومختلق حول وفيات العمال المهاجرين دون أي أرقام موثقة وكأنما المقصود هو نشر حكايات حول المنطقة العربية المسلمة للتأثير على القراء وتشكيل قناعات مسبقة لديهم. وشددت الكاتبة على أن الضغط الذي مورس على قطر خلال العقد المنصرم آتى أكله على الصعيد الاجتماعي، وكما قال أمير البلاد في خطابه أمام مجلس الشورى: "فإن قطر استفادت من بعض الانتقادات النزيهة" فقد بدأت الدولة في منح العمال تعويضات، وفتحت مكتباً لمنظمة العمل الدولية في الدوحة وبدأت بالتعاون الفني لإصلاح ظروف العمالة. وقد أنجزت بالفعل عدة تحسينات من شأنها أن تجعل التنظيمات منسجمة مع معايير العمل الدولية. وقالت إن من الأمور التي يمكن ملاحظتها بوضوح أن إصلاحات 2018 سمحت أخيراً للعمال بمغادرة البلاد دون الحاجة إلى الحصول مسبقاً على إذن خروج، بينما مكنت إصلاحات 2020 العمال من تغيير وظائفهم قبل انتهاء مدة العقد دون الحاجة إلى إذن من رب العمل. ومن خلال تقليص سلطات أرباب العمل على العاملين لديهم، استحقت هذه الإصلاحات الإشادة من قبل المراصد الحقوقية باعتبارها تفكيكاً لنظام الكفالة. وبينما توشك مباريات كأس العالم لعام 2022 على الانطلاق، راحت الأضواء تسلط على حكايات استغلال العمال المهاجرين كالأوركسترا ما يؤكد أن هذه الحملة ليست تلقائية ولا تمت لحقوق الإنسان بأية صلة بل هي تخضع كالأوركسترا لحركات عصا قائد الجوقة الذي دفع "أتعاب" العازفين من وراء حجب؟ ونذكر بأن فوز قطر في عام 2010 بالمنافسة على استضافة كأس العالم كان لحظة مثيرة في الشرق الأوسط، فقد كانت تلك هي المرة الأولى التي تحظى فيها واحدة من بلدان المنطقة باستضافة هذه المناسبة العملاقة. يشير هذا السجل الذي استغل للإساءة لقطر ولكل العرب والمسلمين إلى توجه عالمي موضوعي حيث يتزايد الاستغلال وتتفاقم الظروف المحفوفة بالمخاطر داخل أوساط القوى العاملة على المستوى العالمي وفي القارات الخمس، ولقد أفادت مؤخراً منظمة العمل الدولية في تقرير لها بأن خمسين مليون إنسان حول العالم واقعون في أسر العبودية الحديثة، وبأن هذا العدد زاد بشكل كبير خلال العقد الأخير. ولكن بينما تشير النماذج المذكورة أعلاه في مقدمة المقال إلى انتهاكات يتعرض لها العمال المهاجرون، إلا أن أياً منها لم يحدث في مواقع الإنشاءات الخاصة بمرافق كأس العالم القطرية. بل حصل كلاهما في هولندا وأوروبا عموما حيث يتعلق الأول بعمال المزارع ويتعلق الثاني بعمال مصانع اللحوم. وثمة روايات مشابهة لانتهاكات تجري في مختلف أعمال أوروبا ذاتها وهي القارة التي تنشأ فيها منظمات الدفاع عن حقوق العمال حيث تنتشر على نطاق واسع عمليات استغلال العمال، وخاصة المهاجرين منهم الذين يفدون بتأشيرات دخول مؤقتة أو بصورة غير نظامية هربا من الفقر والبطالة والأزمات المسلحة. فقد بات ذلك متضمناً في هياكل الرأسمالية العالمية التي تحفز قطاع الأعمال والمنظمات المختلفة على تحقيق أكبر قدر من المكاسب من خلال استخدام عمالة متدنية الأجر. ولهذا فإن الاستفراد بقطر والحديث عنها من خلال نظرة استشراقية استعلائية ومعادية للإسلام إنما يفضي إلى صرف الانتباه بعيداً عن معالجة الاستغلال البنيوي المتواصل وانعدام المساواة في دول الغرب المصنع والمحتاج للأيدي العاملة الرخيصة! تضيف الكاتبة قائلة: "بات حجم العمالة المهاجرة المؤقتة هائلاً ولم يزل في حالة من التنامي. فما يقرب من ستين بالمائة من العمال المهاجرين حول العالم، والذين يقدر تعدادهم بحوالي 164 مليونا، يتواجدون في الدول العربية وفي منطقة أمريكا الشمالية وفي أوروبا. يشير مصطلح الهجرة المؤقتة إلى مختلف أشكال العمالة المهاجرة ذات المدد المحددة، مثل العمالة الوافدة أو برامج العمالة الفصلية. إلا أن كثيراً من العمال المهاجرين باتوا في وضع الهجرة "المؤقتة"، حيث يدخل تسعون بالمائة من العمال المهاجرين بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من خلال الحصول على تأشيرات دخول مؤقتة. ومنذ أن بدأت جائحة كوفيد-19 برز المزيد من الحكايات حول الظروف المسيئة التي تنفذ بها برامج الهجرة المؤقتة حول العالم. وهذه تمس عمال الزراعة الفصليين في كندا وأوروبا، وعمال الإنشاءات في سنغافورة، والعمال الوافدين في تايوان، وكذلك العمال الوافدين في بلدان منطقة الخليج والذين يعملون من خلال نظام الكفالة وهو النظام الذي ألغته دولة قطر مع العلم أن الخدمات الصحية والتعليمية توفرها دولة قطر للجميع بدون تمييز بين قطري ومقيم وبين موظف وعامل يدوي بينما لا يحظى المهاجرون المؤقتون الذين يتقاضون أجوراً متدنية بأي منافع أو رعاية صحية في دول أخرى لا يذكرها محررو التقارير ويحصلون في العادة على حقوق وفرص أقل بكثير من تلك التي يحصل عليها أولئك الذين يستمتعون بالمواطنة أو بحقوق الإقامة الدائمة. فبطبيعتها، تربط برامج العمالة الوافدة حقوق العمال المهاجرين في الإقامة والعمل داخل البلد بالجهة التي توظفهم، وتلك هي السمة الأساسية لنظام الكفالة وبرامج العمالة الزراعية الموسمية، وهي بذلك تشجع على العلاقات العمالية التفاضلية وتزيد من مخاطر الاستغلال. وتختم الكاتبة مقالها قائلة: "يعتبر كأس العالم لكرة القدم 2022 حدثاً رياضياً دولياً ببصمة عالمية، بداية من الذين يشيدون البنى التحتية إلى من يملكون الشركات التي تدير المشاريع، من أولئك الذين يقدمون الرعاية إلى أولئك الذين ينظمون العمل والهجرة، من أولئك الذين يلعبون في المباريات إلى أولئك الذين يجلسون للتفرج عليها داخل الملعب أو عبر التلفاز".