16 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); منذ أنتجته «هوليوود» في العام 2000، وإلى أن شاهدته منذ أيام، مرة أخرى بعد مرات سابقة كثيرة، مازال هذا الفيلم قادرا على أن يجعلني أشاهده للمرة الأولى في كل مرة، وأن أعيد ـ في كل مرة ـ تأمل الآية الكريمة «أيحسب أن لم يره أحد». اسمه «الرجل المجوف» لكنه فيلم «عميق» أخرجه «بول فيرهوفن» وقام ببطولته «كيفين باكن» في دور «سباستيان كين» العالم الذي يتورط في حبائل اختراعه الشرير، ورشح لجائزة أوسكار أفضل مؤثرات بصرية ، وكان يستحقها، برغم وجود بعض الأخطاء. تدور قصته، وكتبها «غاري سكوت» حول «سباستيان» الذي يقود فريقاً علمياً للتوصل إلى إخفاء كائن حي ثم إعادته للظهور، في تجربة تمولها وتشرف عليها وزارة الدفاع الأمريكية، بهدف تكوين جيش خفي، يمكنه أن يتسلل في وضح النهار، ويقاتل دون أن يراه أحد. وقد تمكن الفريق من إنجاز خطوة الإخفاء، لكن العودة للظهور مازالت تواجه صعوبات، وأخيراً ينجح «سباستيان» في اكتشاف مصل مضاد لمصل الإخفاء، يحقن به «غوريلا» لتعود للظهور، بعد معاناة كبيرة وبعد أن توقف قلبها عدة مرات. يقرر «سباستيان» أن يجري التجربة على نفسه، ليكتشف أن مصل الإظهار غير فعال مع البشر، وأن عليه مواصلة البحث لحل هذه المعضلة، والمشكلة أنه يصاب باضطراب سلوكي وعصبي، ومن ناحية أخرى «يستمرئ» حالة الاختفاء التي يعيشها، ويبدو حريصاً على البقاء فيها، على البقاء شفافاً لا يراه الناس إلا إذا ارتدى القناع المطاطي الذي أعده له زملاؤه، وصنعوا له ثقوباً عند العينين والفم، وعبرها نرى رأساً أجوف. شيئا فشيئا نكتشف أن «سباستيان» مجوف حتى من قبل أن يصبح خفياً، فهو متغطرس، يعتقد أنه «خارق» لهذا تهجره فتاته ـ وشريكته في فريق البحث ـ وتحب زميلها الأقل كفاءة، لكنه «إنسان»، لا يردد ما يردده «سباستيان» طول الوقت، لا يرفض النوم لأن «دافينشي» لم يكن ينام، بل يتحدث عن تواضع قدراته مقارنة بـ«سباستيان»، مؤكداً أنه لا يستطيع القفز فوق التسلسل المنطقي وهو بصدد حل مشكلة ما، لكن العباقرة يقفزون. «سباستيان» لم يصبح مهووساً وعدوانياً وقاتلاً فقط منذ حقن نفسه بالمصل، لكنه كان كذلك طول الوقت، إن المصل لم يخفه، لكنه في الواقع عرى شخصيته الحقيقية، وأزاح قناع «التمدن» الذي يستر قبح ما تنطوي عليه نفسه من جنون القوة والتفوق، لهذا لا يستوعب كيف هجرته حبيبته، وكيف أحبت رجلاً لا يساوي إلى جواره شيئاً. هذا ما يراه في نفسه، لكنه في الواقع مجرد تافه يمتلك قدرات علمية كبيرة، تافه لا يشغله بعد أن يصبح خفياً إلا التلصص على النساء واغتصابهن، ولا يتورع عن قتل أستاذه ـ مسؤول اللجنة ـ وزملائه، وفي النهاية لا ينجو إلا حبيبته السابقة «ليندا ماكاي» ـ لعبت الدور «إليزابيث شو» ـ وحبيبها «ماثيو» ـ جوش برولين ـ بعد أن يقتل «سباستيان» الآخرين، ويحرق ويفجر المعمل بالكامل، قبل أن تنجح «ليندا» في قتله، لكنه قبل أن يموت يعبر عن هوسه بالقوة التي امتلكها قائلاً «لا تدري أي قوة تشعر بها عندما لا تكون مضطراً إلى مواجهة نفسك في المرآة»! إن الاختفاء هنا ليس غياب الجسد عن الظهور، لكنه القدرة على التحلل من القوانين والقواعد والتقاليد، القدرة على الهروب من مواجهة كل شيء، من مواجهة «الضمير» نفسه، وهكذا يصبح المرء مجرد آلة تدمير بلا ضوابط، أو هو مجرد «انفجار» تصيب شظاياه كل من يقترب منه، وهو مفهوم لا يذكرنا بقصة «الرجل الخفي»، التي يعد الفيلم رؤية جديدة لها، بقدر ما يذكرنا بقصيدة «الرجال الجوف» للشاعر الإنجليزي ـ الأمريكي المولد ـ «تي إس إليوت»، التي كتبها 1925، مع عنوان جانبي هو «اكتشاف المعرفة»، وفيها يقول: نحن الرجال الجوف نحن الرجال المحشوون ......... شكل بلا صورة. ظل بلا لون قوة مشلولة. إشارة بلا حركة وفيها يشير إلى مأساة الوقوف: «بين الفكرة والواقع.. وبين الحركة والقانون، بين المفهوم والخلق، بين الرغبة والتشنج، بين القدرة والوجود»، قبل أن يقول في الختام «هذه هي الطريقة التي ينتهي بها العالم، ليس هذا سوى لحظة الانفجار». وقد رأينا «الانفجار» وحده في نهاية الفيلم، ولم يكن على الشاشة إلا بعض الشظايا.