17 سبتمبر 2025
تسجيلزار تونس يوم 17 أغسطس وزير خارجية إيطاليا ووزيرة الداخلية والمفوض الأوروبي للشؤون الداخلية والمفوض الأوروبي لسياسات الجوار، في إطار سلسلة الضغوطات التي لن تنتهي على تونس، من اجل اتفاق جديد حول الهجرة، وقد برهنت الازمة الأخيرة ان تونس تحتاج اليوم وعيا جديدا، لتصحيح علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي ودوله، من اجل مقاربة أشمل لمعالجة قضايا الهجرة غير النظامية. فقد كرست اغلب الاتفاقيات التي وقعتها تونس مع الاتحاد الأوروبي عدم التكافؤ في الحقوق، وعدم المساواة في حرية التنقل، كما أنها لا تستجيب للتطلعات الشرعية لمواطنات ومواطني تونس في عدالة المعاملة، وتستوجب مراجعة المعايير المزدوجة للحقوق مراجعة شاملة، تخرجنا من موقع "الحارس الأمين" و"المتعاون المثالي"، الى موقع الشريك على قاعدة تكريس الحقوق والحريات، واحترام سيادة تونس وكرامة مواطنيها. جاء هذا البيان على لسان منظمات حقوقية تونسية، ومن جهة أخرى تابعت حكما صادرا من قبل محكمة حقوق الإنسان الأوروبية ضد الدولة الإيطالية، يدين ممارسات الشرطة ضد مواطنيها ومقيميها الذين لهم وجوه مغاربية أو أفريقية لمجرد لون بشرتهم المختلف، وهو قرار محكمة يشير إلى العنف الاجتماعي الذي استقر في الحياة اليومية الأوروبية عموما، كما أني ألاحق الأحداث العالمية والإقليمية فأتفاعل مع وسائل الاتصال، وأطالع الصحف وأشاهد الفضائيات، واكتشف أن صداما قادما بين الغرب والإسلام، تمهد له بأجندات رهيبة لوبيات يمينية وصهيونية، وهي التي توظف بعض عمليات إرهابية على خلفية دينية، لتدفع الطبقة السياسية الأوروبية الى استغلال معضلة الهجرة السرية من الجنوب للشمال، لتحولها إلى ملف سياسوي وشعبوي لكل الأحزاب الأوروبية في مرحلة الانتخابات الراهنة. وبالطبع فإن السبب الرئيس هو استراتيجية الأحزاب التقليدية لقطع الطريق أمام الأحزاب اليمينية المتطرفة، والتي رفعت منذ نصف قرن شعارات وقف الهجرة وحسب تعبيرها "تطهير المجتمعات الأوروبية المسيحية من المسلمين"، فالإسلام الذي هو الديانة الثانية عددا في أوروبا بعد المسيحية يعتبر في المخيل الشعبي البسيط في بلدان الاتحاد الأوروبي دخيلا، بل وغازيا، لأن التاريخ العسير والمعقد في العلاقات بين أوروبا والعالم الإسلامي ترك في وجدان هذه الأمة المسيحية آثارا من الأوهام والأساطير، استغلها الصليبيون الجدد للتلاعب بعقول الجماهير محدودة المعرفة، وأوهموها أن القارة الأوروبية مهددة بالغزو الإسلامي. وبالطبع فإن ما حدث من زلازل في العالم العربي غربه وشرقه لم يكن بريئا وبعيدا عن الأزمة، لأن تفاقم المشكلات العويصة في أغلب المجتمعات العربية على مدى نصف قرن مهد لهذه الهزات العنيفة، التي سماها بعضنا بالربيع والبعض الآخر بالفوضى حين اهتزت توازنات جائرة وانقلبت صفحات قديمة وتحطمت أصنام عقيمة لتحل محلها مبدئيا فوضى عارمة، حين لم تعد لدينا مؤسسات دولة، ولم يمسك بالقياد زعماء خبروا السلطة وتنزهوا عن سفاسف الحزبيات والتجاذبات ليقيموا دول الحق والعدل، وهو ما لم يحدث لأسباب معروفة أولها أن الثورات عادة لا تكتمل، فتظل نهبا للثورات المضادة وحركات الردة وهذه حقيقة منذ الأزل، ولم تشذ عنها هزات الربيع العربي، وثانيها أن النخب التي أسهمت في التغيير ودفعت ثمنه غاليا بالسجون والمنافي والاستشهاد لم تكن مهيأة لممارسة السلطة، فحل العجز محل الاستبداد. واستغل اليمين المسيحي في الغرب هذه الهنات، ليعلن أن الإسلام هو رديف الإرهاب وصنو العنف، وأن الهجرة السرية وحتى الجاليات المسلمة في أوروبا ما هي سوى حصان طروادة لغزو القارة الأوروبية وأسلمتها مع مرور الزمن!. حتى إن روائيا فرنسيا مشهورا اسمه (هوالباك) نشر رواية بعنوان (خضوع) موضوعها الخيالي هو وصول الإسلاميين لحكم باريس ذات يوم وإعلان فرنسا ولاية تابعة للخلافة!. ولكن الملف الراهن محل الجدل القائم هو ملف قوارب الموت التي تبحر من السواحل الجنوبية وبخاصة التونسية والليبية والمغربية لتحمل مجموعات من الشباب العربي والإفريقي اليائس البائس نحو الجنة الأوروبية الموعودة، وبالفعل وصلت من يناير إلى يونية 2020 الى إيطاليا من هؤلاء المعذبين في الأرض 5806 تونسيين دون الجنسيات الأخرى، وهلك في قاع البحر عدد يقدر بألف ومائتين، عدا المفقودين الذين لم يعثر لهم على أثر. ثم إن المقاربة الأوروبية للملف تبدو سطحية ليس فيها تحليل عميق لطبيعة الأزمة ولا لمنطق العلاقات الدولية بين الشمال والجنوب، لأن أول رد فعل قامت به أوروبا في اجتماع بروكسل هو الاتفاق على تشكيل قوة عسكرية تتركب من حاملة طائرات وما يتبعها من بواخر حربية، وحددت لهذه القوة أهدافا ضبابية هلامية لم يفهمها حتى رؤساء الأركان الأوروبيون، فهل هي قوة لتعقب مراكب المهاجرين؟ وما الذي ستفعله بهم السلطات الأوروبية؟ هل تعيدهم من حيث أتوا؟ أم تحشرهم في محتشدات؟ أم تسوي وضعياتهم للإقامة في دول اوروبا؟ أم ربما الأخطر وهو إغراق مراكبهم وقتلهم؟ أو لدك موانئ انطلاق المراكب المحملة بالبشر المهاجر؟ أم هي قوة لإعادة احتلال الموانئ التونسية والليبية؟ وكيف سيكون ذلك متاحا بينما الغرب لم يعد الغرب القديم المتحمس لفرض الاستعمار الجديد؟ لأن الرأي العام في الغرب لم يعد يسمح باستقبال المطارات الغربية لنعوش القتلى من جنوده بلا شرف!. بقي إذن للسياسيين الأوروبيين استعمال بعبع تخويف المهربين سماسرة البشر على السواحل الجنوبية للمتوسط حتى يرتدعوا ولكن هيهات! فالفوضى الشاملة التي عمت تونس وليبيا والشرق الأوسط بالصراعات الطائفية والمصلحية والايديولوجية لم تعد تسمح ببسط القانون ولا الأمن، ولا بحماية أحد من أحد، وفرنسا سيدة العارفين، لأنها جربت الدخول إلى المستنقع الليبي ودفعت الثمن غاليا ووصل الإرهاب إلى قلب باريس. المعضلة اليوم أصبحت أيضا أوروبية أوروبية أي بين البلدان المتاخمة للبحر الأبيض المتوسط وبخاصة إيطاليا وأسبانيا وفرنسا وبين البلدان الأوروبية الأخرى المقصودة من قبل المهاجرين السريين مثل ألمانيا وبريطانيا وبلجيكا وسويسرا والبلدان السكاندينافية، فحكومة روما تقول إن إيطاليا هي المرمى الأول وسواحلها قريبة من أفريقيا ومن الشرق الأوسط وبلوغها أيسر لمراكب الموت، حيث يصلها حوالي مائة الف مهاجر سنويا بالنظر الى المسافة القصيرة بين هذه الجزر وسواحل ليبيا وتونس(حوالي 70 كلم) يقطعها المهربون في بضع ساعات!، وتطالب روما أن يتقاسم الأوروبيون جميعا تكاليف الإنقاذ والتجميع والمراقبة والإقامة المؤقتة لهذا السيل الجارف من الهاربين من جحيم الحروب الأهلية والفقر والجوع!. [email protected]