12 نوفمبر 2025

تسجيل

أين الإنسان؟

31 أغسطس 2014

إن استخدام الأسلحة بكل تقنياتها تعني فيما تعني استلاب الروح والجسد دفعة واحدة. أمّا سياسة التمويت جوعاً تعني شيئاً مختلفاً، هو أن أُطلق الموت على عقلك وأُبقي على جسدك ينوس رويداً رويدا، أي أسحب تاريخك البشري وتراكميتك الحضارية وأُحوّلك إلى مجرد حيوان أزالوا ورقة التوت عن غريزته، وهذا لا ينم إلا عن حالةٍ،لا مأزومة ولا سادية بل مزيج من الإجرام والانفصام. لأن المجوّع لا يتلذذ فقط بتعذيب غريمه بل يعمل على تعرية غريزته الحيوانية واستئصال ميزته التي خصّه الله بها عن البهيم. وهذا ما يُظهر طبيعة النظرة إلى الشعب الذي لا يرى فيه الديكتاتور سوى قطيع محرّم عليه الحُلم والمتع الفكرية العُليا. فهو فقط يعيش من أجل الأكل والشرب كبقية الحيوانات المُدجنة لا أكثر. إنها أحطّ عقلية في التاريخ، قمة في المكّر والمرض النفسي والإجرام؟! هذه هي ثقافة وعقلية الذين يتحكمون برقاب العباد بوصفهم أرقاماً في الفراغ أو العدم، في عالم اللامعقول الذي يحدث الفجوة في حياة نموتها بدل أن نعيشها.. وعالم (متحضّر) يتفرج على الإهانة والمعاناة بعينين من زجاج.. إنها حضارة التكنولوجيا والعلوم التي تُشيئ الإنسان وتُؤنسن مصلحتها العليا أينما وُجدتْ.. مع أن حضارة النار والحجر في العصور السحيقة، احترمت الجسد وقدست الروح وشكّلت آلهتها على شكل إنسان.. هل هي دائرة الزمن التي تلتقي فيها المتناقضات؟! هل نقف الآن على هذه النقطة الساخنة من الإنسانية الفانية التي صوّرها الإنسان القديم بالحيّة التي تعضّ ذيلها، وتتزين بها النساء منذ القدم، على شكل إسوارة في المتاحف القديمة بينما المتاجر الحديثة تستلهم الماضي دون أن تمسّ روح الأشياء وماهيتها؟! ألا يستأهل إنسان اليوم إهانة أكثر مما ادّعى داروين أن أصله قرد، ووصمه فرويد بالأمراض النفسية التي تتحكم بسلوكه الواعي، إلى أن شرّف المدعو فوكوياما ووضع نهايته ونهاية التاريخ معه؟!