12 سبتمبر 2025
تسجيلأعرف أن كثيرين مثلي شعروا بالغضب والقرف والاشمئزاز من لقطة تحرش نوعي في مقطع فيديو قصير انتشر في الأيام القليلة الماضية، وفيه يبدو رجل عربي طاعن في السن يتحرش بسيدة أجنبية جلست بالقرب منه، وسط ضحكات الحاضرين من الرجال ومن بينهم مصور المقطع. لا أعرف مناسبة التصوير الذي اقتطع منه هذا المشهد في مجلس رجال خليجي تقليدي، أما السيدة فمن الواضح أنها ضيفة على المكان لهدف ما، فلم نعتد على وجود النساء في مجالس الرجال التقليدية إلا لأسباب معينة وطارئة. لذلك فقد تضاعف حجم المفارقة في فعل تحرش يقوم به مسن ضد سيدة تواجدت في المكان بصورة طارئة، فقد كان من الأولى أن ينضبط المجلس أكثر من المعتاد بوجود الضيوف ومنهم هذه السيدة الأجنبية، وهذا ما اعتدنا عليه في الأحوال والظروف المشابهة، ولكن الغريب أن حركة التحرش القميئة والواضحة والتي بلغت مداها الأعلى قياسا لطبيعة المكان وسن الرجل المتحرش، أثارت ضحك الحاضرين بدلا من غضبهم الشديد، فتحولت الحادثة لمناسبة ترفيهية لهم، إذ ارتفعت ضحكاتهم المستثارة بفعل الواقعة، بل إن بعضهم حاول تبرير الحركة المقززة فصاح قائلا «شيبة.. شيبة»، أي أن الرجل المتحرش كبير بالسن وبالتالي فلا ينبغي لومه على ما أقدم عليه. ويبدو أن مما ساعد على تقبل هذا الأمر المشين واعتباره عنصرا كوميديا في جلسة رجال تقليدية أن السيدة أجنبية، وهذا يعني أن جسدها مباح للآخرين وفقا لعقلية هذا المسن، وأن المرأة التي نشأ على ضرورة حمايتها واتخاذ ما يلزم للمساهمة بسترها، هي المرأة التي تخصه أو تنتمي لثقافته وبيئته وحسب! ما هذا؟ وإلى أين وصل بنا الأمر لنحتفي بمثل هذه التصرفات الغريبة والجديدة عن ثقافتنا العامة وخصوصا في محيط كبار السن، عبر تصويرها ونشر التصوير في وسائل التواصل الاجتماعي؟ لماذا لم يحذف المصور المقطع بدلا من نشره وهو يعلم أن كل ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي لا يستطيع أحد لاحقا التراجع عنه أو شرح ظروف تصويره للمرة الأولى؟ لماذا لم يشتعل غضب الحاضرين ضد هذا المتحرش الوقح بالقدر الذي يناسب حجم فعلته الشنعاء؟. صحيح أن الحدث نفسه جريمة ليس ضد السيدة وحسب بل ضد قيم المجالس العربية وطبيعتها في التعامل مع النساء عموما، وهو أيضا ضد قيمة العائلة التي تحتفي بالمسنين وتراهم رمزا للحكمة والمحافظة والأخلاق، وتقدمهم باعتبارهم أمثلة حية لما يمكن أن تتعلمه الأجيال الجديدة من القيم الموروثة. الغريب أنني قرأت كثيرا من التعليقات على المقطع حيث نشر مرات كثيرة، يبرر فيها أصحابها، في كل مرة، ما حدث أيضا وكأنه مجرد نكتة ينبغي أن نضحك عليها ونمررها لأنها لا تستحق النقاش أو الانتقاد، فهي مجرد نكتة عابرة، وبعضهم لام الضحية التي سمحت لنفسها أن تجلس في مجلس الرجال، رغم أن من الواضح أنها مدعوة ولهدف معين أو على الأقل هم يعلمون مسبقا بوجودها وقد سمحوا لها بذلك ورحبوا فيها بينهم، و لكن تبرير التحرش بها فقط لأنها سيدة تتواجد في مكان غير مخصص لها تقليديا، ينبغي أن يتيح لهؤلاء الرجال أن يتحولوا إلى وحوش للاعتداء على جسدها والحط من كرامتها، أما الفريق الثالث من المتعاطفين مع الجاني ضد الضحية فقد قللوا من حجم ما حدث لأنها أجنبية وليست عربية أو مسلمة، وأن هذا الأمر من المعتاد في الغرب! وبالتالي فلا يجب أن يكون رد الفعل عليه مثل رد الفعل على التحرش بسيدة عربية أو مسلمة، أما أغرب تبرير غير مباشر فهو أن المقطع هدفه الشهرة والمشاهدات ولا ينبغي أن نحمله أكثر مما يحتمل!، لكن من الواضح أننا لم نعد نحتمل أكثر مما احتملنا حتى الآن مما تقذفه في وجوهنا يوميا وسائل التواصل الاجتماعي من انحدار تجاوز كل الحدود ولا ندري متى أو كيف سيقف.