13 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); استعرضت على مدى ثلاث مقالات متتالية ما جاء في كتاب إلكتروني أصدره صديقي الصدوق الدكتور الشيخ عبدالسلام البسيوني من أخطاء لغوية شائعة عبر الألسن والأقلام، وشيخنا هذا لا يحمل "مؤهلا" مبروزا في اللغة العربية، لأن إجادة أي لغة لا يتطلب التخصص فيها أكاديميا، فاللغة أنثى والأنثى وفية لكل من يخلص في عشقها، وبالتالي فحكاية البسيوني مع اللغة العربية حكاية حب متبادل، فقد اقترب واغترف منها فارتوى، فكانت النتيجة أنه صار صاحب لسان وقلم وكيبورد يصدر عنهم كلام جميل رصين ساخر يسحر القارئ والمستمع.ومن حقي أن أتباهى بأنني أجيد العربية إلى حد ما، ومرد التباهي هو أنني نشأت ناطقا باللغة النوبية، وإذا كان بإمكان شخص مثلي أن يتعلم العربية في المدرسة، ثم يأتي اليوم الذي يقف فيه منافحا عنها، فإن معنى ذلك أنها ليست لغة صعبة، كما يزعم البعض لتبرير ضعف إلمامهم بها، أو عزوفهم عن تعلمها، فالزعم بأن لغةً ما صعبةٌ لا يقومُ على دليل، فهناك إجماع بين العوام في كل أنحاء العالم بأن اللغة الصينية هي الأكثر صعوبة على مستوى الكرة الأرضية، ولكن لو كان الأمر كذلك، لما تسنى لطفل صيني عمره سنتان أن ينطق بها، ولما تسنى لصبي صيني في الخامسة عشرة أن يعبر بها عن نفسه في اختبارات كافة المواد الأكاديمية، والغريب في الأمر أن علماء الألسن واللغات، لا يضعون اللغة العربية بين "العشرين الأوائل" من حيث الصعوبة، بل تأتي الفرنسية على رأس القائمة التي وضعتها هيئة اليونسكو، لأن طريقة نطق كلماتها "مشكلة" ولا توجد كلمة فرنسية لا تخلو من حروف "حشو" عديمة الجدوى، لأنها لا ترد في النطق، وهجاء الكلمات الفرنسية قائم على أساس تاريخي ولا علاقة له بالطريقة التي تُنطق بها، وبالمقابل فلو علمت طفلا عربيا أو كمبوديا او بوركينا فاسويا حروف اللغة العربية، ثم طلبت منه أن يكتب "عنبر/ قلم/ سامي"، فإنه سيكتبها على النحو الصحيح، ما لم يكن دماغه مصفحا (نعترف بأن الصعوبة في اللغة العربية ليس في الكتابة، بل في القراءة في غياب علامات الترقيم؛ لعدم وجود حروف ليِّنة قصيرة short vowels فيها، ويُستعاض عنها بعلامات الكسر والفتح والضم والسكون)، ومع هذا فالفرنسية هي اللغة السائدة في 29 دولة معظمها في أفريقيا، ومفردات اللغة اليابانية لا تُكتب كما تُلفظ، وفي النرويج يتكلم كل مواطن (تعداد السكان دون الستة ملايين) لغة بلده بالطريقة التي تعجبه، بمعنى أنه لا توجد طريقة معيارية لنطق كلماتها ذات الأصول الجرمانية، وبالمقابل فالفصحى (وليس اللهجات) العربية واحدة نطقا وكتابة، من طنجة إلى الدوحة، وهي كذلك لمن يتعلمها من الإندونيسيين والهولنديين والطاشناق، بينما هناك إنجليزية أمريكية وأخرى بريطانية، باختلاف واضح في رسم/ تهجئة الكلمات بينهما، ويقال إن الإنجليز استعمروا الهند طويلا ثم أدركوا أن عليهم الاختيار بين الإبقاء على إمبراطورتيهم أو لغتهم، فقرروا إنقاذ اللغة وتركوا الهند.ولا أفهم لماذا ظهر بيننا جيل شباب يحسب أن تطعيم الكلام بمفردات إنجليزية أو فرنسية "كوول"!! أي، دليل تحضُّر، ومواكبة لروح العصر الذي هم فيه في خُسْر، ولكن يصل الأمر حد السخف المقزز عندما تسمع في العشرات من قنواتنا الفضائية مذيعين ومذيعات يقرأون الأرقام: خمسة، سبعة، زيرو، واحد!! لماذا الزيرو بالذات، وهو الرقم الوحيد الذي نحتكر حقوق الملكية الفكرية لاختراعه، ورابطنا فيه لنحو 1200 سنة، وصرنا نَتُوق للنهوض بمشروع ثقافي عربي معاصر، نرحل به عن نقطة الصفر، بعد أن عشنا قرونا ونحن نجتر من سنام الأسلاف.يا جماعة انظروا حتى إلى الأسماء الشائعة عندنا لتعرفوا كم كان الله كريما معنا عندما خصنا بهذه اللغة: عمر وندى وشهد ومحمد وسوسن وحسن، أسماء سهلة الرسم والنطق، ثم انظروا حال السريلانكيين ولديهم رئيسة (سابقة) اسمها سيراميفو كوماراتونغا باندارانايكا، وآخر اسمه سوسيلو يوديونو بانغ بانغ!! اسم هذا أم مظاهرة؟ نعم عندنا أسماء "طويلة" مثل السموءل، ولكنها محدودة الاستخدام، وأخرى مثل "عبد ال...."، و"شهاب الدين"، ولكنها مركبة وتتألف من كلمتين سهلتين، لكل منهما معنى معلوم، وأختتم بحكاية التلميذ الذي سأله المدرس عن المدينة التي فتحها محمد الفاتح، وأنهى بها الدولة البيزنطية، فكان الجواب: القسطنطينية، فصاح المدرس: ممتاز يا ابني. اكتبها على السبورة، فصاح التلميذ بدوره: لا هو فتح دُبي!عيبٌ أن نَعيبَ لغتنا والعيبُ فينا، وهي تتألف من 28 حرفا، وإذا احتسبت الهمزة حرفا صارت 29 حرفا، بينما عدد حروف اللغة الصينية مصدر خلاف، تماما كعدد الدول الأعضاء في الجامعة العربية، ولكن الراجح أن عددها أكثر من 700، ومع هذا يتكلم بها مليار و400 مليون شخص، وهي اللغة التي درسوا بها في كل المراحل التعليمية ووضعوا بلادهم في صدارة بلاد العالم اقتصاديا.