10 سبتمبر 2025

تسجيل

ولادة جبهة فتح الشام

31 يوليو 2016

إعلان أبي محمد الجولاني أمير تنظيم "جبهة النصرة" حل تنظيمه المرتبط بالقاعدة وتأسيس جماعة جديدة باسم "جبهة فتح الشام" خطوة لها أبعادها الداخلية السورية، وتداعياتها الإقليمية والدولية، فالذراع العسكري للقاعدة في سوريا، أي جبهة النصرة، لم تكن يوما رقما سهلا في المعادلة السورية، لأنها تعتبر قوة ضاربة كبيرة في القتال ضد نظام الأسد، والعمود الفقري للثورة العسكرية السورية، وكان رؤوس قادتها دائما من المطلوبين أمريكيا وروسيا وعربيا أيضا، إلى درجة دفعت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإيران وحزب الله وأوروبا والكيان الإسرائيلي وأطراف عربية، إلى الوقوف صفا واحدا، رغم التباينات فيما بينهم، في مواجهة "جبهة النصرة" ووضعها في سلة واحدة مع "تنظيم داعش". الخطوة التي أقدم عليها الجولاني تعني أن جبهة النصرة تحولت من حركة إسلامية عالمية إلى حركة سورية محلية، بأبعاد عالمية طبعا، والمقصود بالعالمية هنا، المشروع الإسلامي الجهادي الذي أسسه أسامة بن لادن.البعض يرى في قرار الجولاني انكفاء على الداخل السوري، والبعض يراه نهاية للمشروع الجهادي العالمي، لكن الأمر ليس كما يرى هذا الطرف أو ذاك، فهو خليط بين المحلية والعالمية بأبعاد وطنية، ولا شك أن قادة جبهة النصرة قرأوا خارطة التحالفات العالمية جيدا، ومهما كانت قوة التنظيم فإنه لا يستطيع أن يواجه عالما اتحد في وجهه، خاصة أن "جبهة النصرة" لم تعلن يوما أنها "معلومة"، بل حركة تنشط في سوريا حصرا، وبالتالي فإن دفع كلفة باهظة للارتباط بالقاعدة ليس له ما يبرره، ومن هنا جاء قرار فك الارتباط بالقاعدة وتأسيس "جبهة فتح الشام".هل خسرت جبهة النصرة بفك ارتباطها بالقاعدة؟ بالتأكيد لا، لأنها خلال 5 سنوات حصلت على الدعم الممكن من التنظيم العالمي، خاصة الكوادر البشرية المؤهلة للقتال، واستفادت من الدعم المعنوي وربما المادي أيضًا في قتالها ضد نظام الأسد، لكنها في الوقت نفسه كانت "جبهة مستقلة" تعمل على طريقة "العناقيد الثورية" بقيادة لا مركزية، فهي كانت تعتمد على ذاتها في سوريا، رغم ارتباطها بالقاعدة، وبالتالي فإن فك الارتباط لا يعني أي خسارة على الإطلاق، ماديا ومعنويا، خاصة أن قيادة القاعدة تتفهم دواعي هذا الانفصال.على الجانب الآخر سجلت جبهة النصرة نقاطا إيجابية لصالحها في "البورصة السياسية والعسكرية السورية"، أول هذه النقاط أن المشروع الذي تقدمه الآن هو "مشروع وطني سوري بأبعاد إسلامية" وبالتالي فإن التناقض الأساسي لـ"جبهة فتح الشام" التي حلت مكان "جبهة النصرة" هو النظام السوري وحلفاؤه حصرا، ما يسحب مبررات تصنيفها بأنها "تنظيم إرهابي".النقطة الثانية المهمة هي إمكانية دخول التنظيم الجديد في تحالفات محلية قوية، باعتباره تنظيما سوريا صرفا، والتموضع المريح العلني في الحلف السوري الثوري المناهض لنظام الأسد.المكسب الثالث الذي يمكن أن يحصل عليه أبو محمد الجولاني هو إمكانية المشاركة في المفاوضات الدولية والإقليمية حول سوريا، في حال رغبت "جبهة فتح الشام" في المشاركة في أي عملية سياسية.ولكن هل يمكن أن يشارك تنظيم الجولاني في عملية سياسية؟ هذا ممكن بالطبع من الناحية النظرية، مع صعوبة ذلك عمليا، إذ إن أفراد الجبهة تربوا على المناجزة والقتال على قاعدة " كل شيء أو لا شيء"، ولم تكن السياسة يوما جزءا من أولوياتهم المتقدمة". ولكن للضرورة أحكام، فالقتال شكل من أشكال التفاوض العنيف أيضا، وإذا ما اقتنع قادة "جبهة فتح الشام" بأن التفاوض السياسي أيضًا مهم، إلى جانب القتال على الأرض، فإن ذلك يعني اعترافا دوليا بالجبهة مكونا وطنيا سوريا، وطرفا كبقية الأطراف السورية.