03 نوفمبر 2025
تسجيلكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، من أحب نساء النبي إليه، وأحظاهن لديه، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يحبها محبة جمة، وكان المؤثر الأكبر في محبته لها، كونها ابنة صاحبه وصديقه الصديق، أبي بكر الصديق رضي الله عنه.وكانت لحداثة سنها عند زواجها بالنبي عليه الصلاة والسلام، ما كفل لها النشأة والتربية السليمة وجعلها واعية لما يتلى في بيت النبوة من العلم والحكمة القويمة، فصارت لذلك غزيرة العلم، ضليعة في الدين، حتى كان أكابر الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين، يسألونها ما أشكل عليهم من الحديث، ومسائل الدين، فيجدوا عندها حلاً لهذا الإشكال.روى الحافظ ابن كثير، في تفسيره الشهير، حديثاً مفاده فيما يأتي اجتمع ذات يوم، الصحابي الجليل عبدالله بن عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، مع اثنين من كبار التابعين هما عطاء بن أبي رباح، وعبيد بن عمير، رحمهما الله، وكانوا جميعاً، كما كان الصحابة، ومن تبعهم بإحسان، هم خير القرون قرناً بعد قرن، بشهادة النبي عليه الصلاة والسلام، تمسكوا بسنته، وعضوا عليها النواجذ، وحفظوها وأشاعوا أنوارها على اتساع الخافقين.عزم أولئك الثلاثة فيما بينهم على زيارة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فانطلقوا إلى ما عزموا، حتى وصلوا إلى دارها، واستأذنوا في الدخول عليها، فأذنت لهم، وكان بينها وبينهم حجاب مسدول، فسألوها أن تخبرهم بأعجب ما رأته من رسول الله، فما كان منها إلا أن بكت، وفاضت عيناها الشريفتان بالدموع، تذكراً وحنيناً، ثم قالت: (كل أمره كان عجباً، أتاني في ليلتي حتى دخل معي في فراشي حتى مس جلده جلدي، ثم قال: يا عائشة، ائذني لي أتعبد لربي – انظر إلى أدب النبي في التعامل مع زوجه، يستأذنها في عبادة ربه! - فقلت: والله إني لأحب قربك، وإني أحب أن تعبد ربك – أكدت الجملة الأولى بالقسم، ولام التوكيد، دليل أنها تحب قربه أكثر - فقام إلى القربة، فتوضأ ولم يكثر من صب الماء – نتعلم منه عدم الإسراف في الماء، ولو كنا على نهر جار - ثم قام يصلي فبكى حتى بل لحيته، ثم سجد فبكى حتى بل الأرض، ثم اضطجع على جنبه الأيمن، ووضع يده تحت خده فبكى حتى دخل عليه بلال، يؤذنه بصلاة الصبح، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله، ما يبكيك، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر؟ - تأمل في سؤال بلال رضي الله عنه، تفهم منه أن السبب الوحيد في نظره، الذي يستدعي البكاء هو الذنب وحده - فقال: ومالي لا أبكي، وقد أنزل الله علي هذه الليلة (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب...) - الآيات العشر من آخر سورة آل عمران - ثم قال: ويل لمن قرأ هذه الآيات ولم يتفكر فيها).روى ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا استيقظ في الثلث الآخر من الليل، يستوى على فراشه قاعداً، فيرفع رأسه إلى السماء، ثم يقرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران.قال العلماء، إن ما ينجي من هذا الويل، هو أن يقرأهن المسلم وهو يعقلهن، مستحضراً فكره، ولتعلم أيها القارئ الكريم، أن ذكر الله المطلوب، هو الذكر المصحوب بالفكر، أي ذكر باللسان مع تواطؤ القلب، لا أن يكون القلب غافلاً لاهياً.اللهم اجعل قولنا تذكراً، وصمتنا تفكراً، ونظرنا عبراً، اللهم آمين.