13 أكتوبر 2025
تسجيلكتاب د. المسفر وثيقة أساسية لا غنى عنها لفهم خفايا الحاضر والمستقبل د. المسفر مفكر صادق يتميز بالوطنية العروبية الخالصة والتشبث بالثوابت الأصيلة عرفت المفكر والأكاديمي القطري أ.د. محمد صالح المسفر سنة 1990 قبل أن نصبح زملاء في جامعة قطر، فاكتشفت فيه أنذاك المحاور الذكي لأكبر القامات الفكرية العربية من خلال برنامجه التلفزيوني الحواري السباق على القناة القطرية، كان ذلك حين دعينا أنا والأستاذ المرحوم محمد مزالي من منفانا الباريسي الى الدوحة، وكانت الكويت محتلة من قبل صدام حسين رحمه الله، وتلك الدعوة لرئيس حكومة معزول ومضطهد صحبة رفيق مسيرته ومنفاه كانت بالنسبة لي ولرئيس الحكومة السابق فرصة ذهبية لنتعرف على القيادة القطرية أكثر ونقف على جرأتها وسلامة توجهاتها ومساندتها الأخوية للكويت خاصة تعرفنا أنذاك على سمو ولي العهد الشيخ حمد بن خليفة حفظه الله، وتحدثنا معه طويلا واستمعنا اليه، فأدركنا رؤيته العميقة لقضايا الخليج ومصيره وما ينوي انجازه في دولته ثم على هامش الزيارة ألقى مزالي محاضرة على منبر نادي الجسرة الثقافي ودعاه د. محمد صالح المسفر لحوار تلفزيونى دام أكثر من ساعة حول الملفات الخليجية والعربية وأحوال تونس التي شرع الاستبداد ينقض عليها بشراسة مع تخبط في موقفها ازاء احتلال الكويت بين التردد في اعلان الاصطفاف مع صدام حسين والخشية من اتهام تونس بأنها من دول الضد !. واليوم ينشر الزميل العزيز محمد صالح المسفر كتابا متميزا بل يكاد يكون الدرة اليتيمة في تحليل الشأن الخليجي بجرأته المعهودة وقوة حجته وسلاسة أسلوبه مما يجعل هذا الكتاب يسير القراءة لا للجامعيين والخبراء وحدهم بل لكافة القراء العرب حتى يفهموا خفايا العلاقات الخليجية الخليجية (وهو عنوان الكتاب الصادر عن مركز الجزيرة للدراسات مع عنوان فرعي هو: معضلة الفراغ الإستراتيجي والتجزئة 1971-2018) مع العلم أن د. المسفر عمل في الحقل الدبلوماسي بسفارة قطر في لندن ثم في منظمة الأمم المتحدة بنيويورك الى جانب تدريس العلوم السياسية في جامعة قطر وهو كاتب مقالات قيمة على الصحف الخليجية والعربية ومحلل إستراتيجي في قنوات تلفزيونية مثل البي بي سي وقناة روسيا 24 والجزيرة. ولا أخفيكم بأنني شخصيا مع كثير من النخبة القطرية والعربية نتمتع بتحليلاته ونستفيد ونستزيد من استشرافاته السياسية الثرية حين تجمعنا به هنا في ليالي الدوحة مجالس أصدقائنا وطلابنا القطريين وهي كثيرة غنية بالثقافة السياسية والأدب والفكر. الكتاب الذي صدر هذه الأيام ليس الأول للدكتور المسفر فقد أصدر (الخليج العربي بين التبعية والاستقلال) وكتاب (العرب والغرب والعولمة) وقبلهما نشر كتاب (المنظمات الدولية خلفيات النشأة والمبادئ) لكن هذا الكتاب الجديد يصدر في عز أزمة صعبة معقدة تحملتها دولة قطر من دول خليجية يفترض أن تكون شقيقة لكنها حاصرت قطر منذ عامين وفتحت أبواب علاقات متشنجة بين مجتمعات الخليج وهددت منظومة مجلس التعاون لدول الخليج بالتفكك ودخول عصر المحاور والابتزاز. يبدأ الكتاب بمقدمة تاريخية للمجتمعات الخليجية ونشأة دولها والظروف الاقليمية والدولية التي أحاطت بتأسيس هذه الدول الست وما نشب بينها من أزمات وما أعاق تعاونها من مؤامرات كيدية. ويحلل الكاتب بخبرة وجرأة ما أخطأ فيه قادة الخليج من خيارات وما أصابوا مما بوأ هذا الكتاب منزلة العرض الأمين الدسم العميق العاكس لواقع ووقائع أوصلت الاقليم الى الوضع الراهن. ويخلص د. المسفر الى أن الخلافات الخليجية الداخلية لم تكن مبررة ولا مقبولة بين مجتمعات تتشابه في الدين واللغة والعادات والموارد. ويدعو الكاتب قادة الخليج الى الوعي بالمصير الواحد للخليج بتطبيق بنود ميثاق مجلسهم وحل خلافاتهم بآلية قانونية ينص عليها ميثاق المجلس. إن الجديد والمبدع في الكتاب هو الفصل الأخير وما قبل الأخير، فالفصل الخامس يتطرق لمطلع الألفية الثالثة وتصاعد أزمات الخليج وهو يروي بدقة الباحث وبمرارة الخليجي المتأثر والمتأسف ما تعاقب على الخليج من قرارات خاطئة وما تفاقم حوله من مطامع عالمية. ثم في الفصل السادس والأخير يحلل الكاتب ما سماه (دول الخليج في المنظورين الأمريكي والإسرائيلي) ليصل بنا الى تفسير صفقة القرن التي ستعلن كما نتوقع في مؤتمر البحرين القادم عن تصفية القضية الفلسطينية نهائيا واستفحال الليبرالية الصهيو-امبريالية الجديدة على حساب حقوق العرب والخليج. خلاصة القول إن الكتاب وثيقة أساسية لا غنى عنها لفهم خفايا الحاضر والمستقبل، وهي بقلم مفكر صادق يتميز بالوطنية العروبية الخالصة والتشبث بالثوابت الأصيلة لعروبته على ضوء التجارب المريرة والصراعات الأليمة، فألف شكر وتقدير للزميل ووفق الله جهوده في خدمة الحق. [email protected]