11 سبتمبر 2025
تسجيللم يكن العالم العربي سوى مأوى للذئاب منذ بداية القرن العشرين وحتى الآن.. الذئاب الاستعمارية التي تنهش في جسده دون رحمة أو شفقة، ومن يقرأ تفاصيل اقتسام الوليمة بين هذه الذئاب يدرك مدى وحشيتها وغدرها ولؤمها. في الوقت الذي كان يعلن فيه أبرز رجالات العرب في ذلك أمير مكة الشريف حسين بدء العمل من أجل التحرر العربي، ودخل في مفاوضات مع الذئب البريطاني من أجل الحصول على مبتغاه، كان الساسة البريطانيون يغدقون عليه الوعود، ويعدونه بالاعتراف بالخلافة العربية أو المملكة العربية الجديدة التي تضم بلاد الشام والجزيرة العربية مع بعض الاستثناءات هنا وهناك نتيجة الإصرار البريطاني، وتسجل الوثائق البريطانية والفرنسية أن الشريف حسين رفض التنازل عن القدس رفضا قاطعا، واعتبر أن ذلك غير ممكن، لأن القدس تخص العرب والمسلمين ولا تخصه، وهنا زادت بريطانيا من وتيرة التآمر على الشريف حسين.بالطبع حاولت بريطانيا أن تنشئ وتكون "منافسين" للشريف حسين، وقد نجحت في ذلك، وذلك لدفعه للتنازل عن القدس، لكنه أبى ذلك وأصر على موقفه، فكان لا بد من الإطاحة به لإفساح الطريق أمام مخطط إنشاء الكيان الإسرائيلي أو ما يسمى "دولة إسرائيل".المؤكد أن أمير مكة لم يكن بدهاء الإنجليز والفرنسيين والروس، الذين كانوا يلعبون معه لعبة الأمم الكبرى، ولم يكن لديه الكثير من الأدوات التي كان يستطيع أن يستخدمها في مواجهة الذئاب الاستعمارية الثلاثة. وبالطبع لم يكن يملك ذلك الحس السياسي الذي كان يميز القوى الاستعمارية الكبيرة التي كانت تحكم العالم.وأيا كانت الآراء حول الشريف حسين بين مؤيدة أو معارضة، فقد رفض أن يتنازل عن القدس من منطلق إسلامي خالص، فقد كانت بالنسبة له مسألة إيمان وعقيدة غير قابلة للتفاوض، وهذا ما شهد به أعداؤه. ولسنا في مقام الدفاع عنه لكننا نذكر ذلك من باب الحقائق التاريخية التي تحتاج إلى تدقيق وتمحيص قبل إصدار الأحكام عليها.الموقف العام الذي لم يكن ليساعد الشريف حسين أدى إلى نفاذ المخططات الإنجليزية الفرنسية الروسية، وبعد ذلك أصدرت بريطانيا وعد بلفور عام 1917 وأرسلت للشريف حسين مبعوثا تهون من أمر هذا الوعد، وأنه مجرد كلام من أجل إيجاد ملجأ لليهود حتى تضع الحرب أوزارها، وبعد ذلك تم احتلال فلسطين، ومن أجل إزاحة الشريف حسين من الطريق تم نفيه إلى قبرص.لم يكن لبريطانيا أن تنفي الشريف حسين إلى قبرص لو كان مؤيدا ومنفذا للسياسات البريطانية في المنطقة بشكل كامل، الفجوة بينه وبين بريطانيا، أنه كان يعتبر أن هناك مصالح متبادلة بين العرب والإنجليز، مملكة عربية مستقلة مقابل الحفاظ على المصالح الإنجليزية، مع عدم إقامة دولة لليهود في فلسطين، لكن الإنجليز كانوا يريدون من الشريف حسين أن يكون أداة لتنفيذ مخططاتهم واستخدامه لتحويل مؤامرة سايكس - بيكو إلى حقيقة، وهو ما لم يكن يفكر به الشريف حسين.طبعا التاريخ ليس بهذه البساطة، فهناك تفاصيل عميقة ودقيقة وخطرة، ولا يمكن أن نبرئ ساحة الشريف حسين من كل الأخطاء التي حدثت، ولكنها أخطاء يجب أن توضع في سياقها الطبيعي، فالرجل كان يبحث عن المصلحة العربية العليا، وكان يرى أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال الإمبراطورية الإنجليزية، لكن المرحلة التي أعقبت إقصاء الشريف حسين ونفيه إلى قبرص كانت أخطر وأدهى وأمر لأن بريطانيا صنعت رجالها في المنطقة، رجال قبلوا أن يكونوا أدوات طيعة بلا سؤال أو نقاش.